غالباً ما ينصرف أرباب العمل عن توظيف السعوديين بحجّة ضعف الإنتاجية. والموقف السلبي هذا ليس بدخيل على المجتمع السعودي بمجمله. فنحن إذ لا نتفادى الأسباب ونتبع سياسة الوقاية، نكون في كامل الجاهزية فيما يخص إطلاق الحكم والإقصاء والنبذ بعد وقوع ما لا يُحمد.
لو افترضنا - جدلاً - أنّ السعودي أقلّ إنتاجاً عن غيره. فما هو دور المسؤولين في زيادة الإنتاجية؟
ليس كُل الحل في تكثيف التدريب وإعادة هيكلة البنية التحتية للتعليم ومناهجه. إنما هناك تأخُّر في الإلمام بكل ما من شأنه خدمة التنمية في المملكة. وأحد هذه المفاهيم الغائبة هي: الترويح أو الإنعاش والترفيه.
نعم الترويح. وهو مختلف عن الترفيه المحض..
فالترويح (recreation) هو إعادة تجديد النشاط الذهني للموظف أو حتى المواطن بغضّ النظر عن عمله. فلو حللنا الوقت الذي يقضيه المواطن لوجدناه يصبّ في أربعة فروع: ما بين عمل، ونوم، والتزامات اجتماعية ووقت فراغ. وقد يكون الأخير هو الغالب مع الأسف. ويخفت في جو الأُسرة مفهوم استغلال أوقات الفراغ بشكل استثماري مُنتج، لدرجة أنّ غاية الإمتاع لدى الغالبية هو أن يُقضى في حالة off. أي حالة شلل تامة عن أي فعل جاد أو هادف. والبعض لم يدرك إلى الآن معنى أن يقوم بما من شأنه أن يستعيد نشاطه الذهني وحيويّته البدنية بهدف زيادة معيار الجودة في العمل أو الإنتاجية بمجملها. ربما ما نمارسه للآن لا يعدو كونه ترفيهاً فارغاً من الهدفية (entertainment). وهو كما أسلفت مختلف عن الترويح (recreation).
بعض الشركات والمؤسسات في المملكة التفتت إلى أهمية تجديد النشاط وعلاقته بالإنتاجية، فأدخلت ضمن برامجها الموجّهة لرفع مستوى الموارد البشرية، أنشطة ترويحية تهدف لصنع بيئة عمل تطلق الطاقات الإبداعية وتأخذ بيد الموظف لإنتاجية أوفر ورضا أكبر.
فشركة سيسكو على سبيل المثال، والتي حصلت على المركز الأول كأفضل بيئة عمل لعام 2007، قامت بتوفير أماكن ترفيه ومعدّات رياضية في نفس مكاتب الشركة مثل: تنس الطاولة والبلياردو. كما أنها نظّمت رحلات ترفيهية لموظفي الشركة وعائلاتهم بشكل دوري. إنّ هذا الالتفات العالمي والحديث لتنشيط الذهن والبدن من خلال أنشطة ترفيه، ليس بمثابة خرق لجدِّية العمل، لكنه عبارة عن إضفاء نوع من الألفة وكسر حدّة الصرامة بين المؤسسة والموظف، وبالتالي تُعنى بالجانب الروحي الذي هُمش لأزمان خلت أو أُخطئ فهمه بممارسات متدنية القيمة والعائد أيضاً.
ليست سيسكو وحسب، بل هناك الكثير من الشركات بدأت فعلياً بانتهاج الـrecreation
وتفعيله بعدّة أنشطة مختلفة. ولو وسّعنا الدائرة لتشمل « الترفيه « في مدن المملكة، من خلال الأماكن المخصصة للترفيه أو أنشطة المهرجانات المناسباتية أو تلك القائمة سنوياً. هل هي تندرج تحت « الترفيه» أو « الترويح وتجديد الذهنية»؟
بصراحة تامة هي في الغالب مجرّد ترفيه لا أكثر. فخيارات العائلة السعودية أوقات الفراغ أو أثناء العطل الأسبوعية جداً محدودة: مطاعم، مجمعات، حدائق عامة!! وفي تلك الأماكن يقضي الفرد ساعات في الأحاديث أو تناول المرطبات أو الشرود أو مراقبة الناس!. ثم يعود في بداية الدوام منهكاً، مهدوداً، خاملاً ذهنياً وبدنياً من الإفراط في السهر أو النوم، سيّان..
فمتى ما توفر في مدننا الحبيبة جهات وأماكن حكومية مفتوحة طوال السنة تحمل هذا المفهوم في تجديد الروح والوجدان والذهن. سيكون من اللائق - وقتها - أن نتساءل عن أوقات الفراغ أين تُهدر، أو إنتاجية السعوديين وتدنيها!
kowther.ma.arbash@gmail.com