اقتطع السوريون المنهكون والمشغولون بالبحث عن مكان آمن وعن غذاء يسد رمق الجائعين من أبنائهم وشيوخهم وعجائزهم، -على الرغم من كل هذه الهموم- اقتطع السوريون جزءاً من وقتهم المحموم وتابعوا خطاب بشار الأسد الذي ألقاه أمس في مبنى مجلس الشعب، كانوا ينتظرون موقفاً شجاعاً من رجل غابت عنه كل مفردات الشجاعة، كانوا ينتظرون أن يعلن تخليه عن منصبه الذي جلب للسوريين القتل والدمار، ليعيد للشرفاء منهم الهدوء لبلد ملأته الدماء والدمار والقتل اليومي، إلا أنهم شاهدوا مسرحية مكررة مملة من شخص يتشبث بكرسيه على حساب آلاف القتلى الذين وصل عددهم إلى 60 ألف قتيل وفق أرقام الأمم المتحدة، وأكثر من مائة ألف كما تذكر تقارير المتابعين لما يحدث في سورية.
بشار الأسد كرر مواقفه العدائية ضد الشعب السوري، وأصدر عفواً مشروطاً، وهو الذي يجب أن يطلب عفواً من شعب مقهور، وعرض مبادرة مرفوضة من شعب لا يريد مشاهدته وليس بقاءه.
على المسرح أدى بشار دوره مهزوزاً؛ إذ ظهر منهكاً، عيونه تكاد تغار في محاجرها، و»الهتيفة» ممن يزعمون أنهم ممثلون للشعب السوري أجادوا الصراخ، هتافات ألهبت بشار الأسد، وشكرت القتلة والجلادين من الجيش الأسدي الذي تحول إلى جلادين وقتلة وطوال هتافات وصراخ «نواب الشعب» لم يتجرأ أحد بالهتاف لسورية الوطن، وسورية الشعب، لأنهم يعرفون الشعب السوري لا يريد «الصنم» الذي يهتفون له.
المبادرة التي كشف بشار الأسد عنها والتي تبدأ بوقف الأعمال العسكرية وبدء حوار وطني شامل للوصول إلى ميثاق وطني، وفي المرحلة الثالثة يتم وضع دستور جديد، هذه البنود التي تجاوزتها الأحداث، يريد بشار الأسد -من خلالها- الحفاظ على نظامه الذي أخذ ينهار أمام ضربات الثوار، فوقف الأعمال العسكرية ينقذ ما تبقى من قوات بشار الأسد التي أصبحت محاصرة حتى داخل العاصمة دمشق وريفها، أما الحوار الوطني الشامل الذي تحدث عنه فالسوريون جميعاً لا يريدون حواراً مع رئيس قاتل ونظام يتهاوى، فكل المبادرات التي أطلقت من داخل سورية وخارجها جميعاً تتحدث عن حوار لا يشارك فيه بشار ولا حتى القتلة من قادة جيشه الذين قادوا الشبيحة لقتل السوريين، أما النقطة الثالثة وهي وضع دستور جديد لسورية، فهو ما سوف يتم ولكن بعد أن يتخلص السوريون من بشار الأسد وحكمه الظالم الذي لم يجن منه السوريون إلا القتل والظلم والتسلط الذي عانوا منه أكثر من ستين عاماً.
jaser@al-jazirah.com.sa