2- الكادر ومفاهيم العدالة والمساواة
يردد بعضهم أن الكادر الصحي (الجديد) حقق أهداف العدالة والمساواة، ومن هؤلاء الأخ الدكتور العزيز عثمان عبدالعزيز الربيعة حين أعطى صورة مخالفة للواقع في رده الأخير، عندما قرر أن الكادر الصحي الجديد كان مصدرا للسعادة لحوالي 95% من الممارسين الصحيين في المستشفيات الحكومية، وحسب ظني أن الدكتور ربما غاب عن علمه أن 95% من الممارسين الصحيين في مستشفيات وزارة الصحة لم تتغيركثيراً رواتبهم الأساسية لأن الكادر (الحكومي) الجديد في عام 1432 هجرية هو نفسه الذي صدر عام 1412م مع تغيير طفيف لا يُذكر، وكان الفارق الوحيد في زيادة البدلات غير الثابتة، والتي في حقيقة الأمر لا تنفع في حسابات ضمانهم التقاعدي، بل قد تفاجئهم حين التقاعد بانخفاض كبير في دخلهم الشهري.
يفتقر الكادر القديم الجديد لأبسط أبجديات التصنيف المهني، ويضع التخصصات الصحية المختلفة والمتنوعة في 11 مصطلحا لم تعد تتداول في مفاهيم الطب الحديث مثل نائب وأخصائي وفني وطبيب مقيم، والتي لم تعد وظيفة دائمة، بل وظيفة تدريبية لمدة سنوات التدريب فقط، في حين تختلف وتتنوع التخصصات حسب طبيعة العمل إلى مئات التخصصات وربما أكثر، سواء كان ذلك بين الأطباء أو الصيادلة والتمريض أو الفنيين، كما تختلف عطاءات الأطباء وتتفاوت، وعلى سبيل المثال لن يحقق الكادر الجديد العدالة إذا لم يفرق الكادر الحكومي بين خبرة وتجربة جراح أطفال وخبير عالمي في فصل التوائم بجراح أطفال عام في مستشفى ثانوي أو عمومي، وإذا تعامل معهم كاستشاري فقط حسب الكادر، ومهما تمت مضاعفة البدلات، لن تتحقق العدالة، وربما يجد جراح الأطفال المرموق مكاناً مناسباً خارج المملكة، يوفر له ما يناسب عطاءاته، ويحقق له مفهوم العدالة الحقيقي.
الجديد في أمر الكادر الصحي هو ذلك الجدول الذي صدر في عام 1432 هجرية بنفس المسميات وبأرقام مختلفة، ويُطبق على الممارسيين الصحيين على بنود التشغيل الذاتي، والتي قد تكون في نفس المستشفى العمومي، وتلك مفارقة إدارية يصعب علي فهمها، وأستغرب كيفية إجازاتها من قبل أنظمة الدولة، لما فيها من تفرقة واضحة بين الممارسين الصحيين في المستشفى الحكومي، فالمتوظف على بند التشغيل يأخذ راتباً أساسياً أعلى، ويتبع لنظام التأمينات الاجتماعية، بينما الآخر الحكومي يأخذ راتباً أساسياً أقل، ويتبع لنظام التقاعد، لذلك أضع أكثر من علامة استفهام حول مفهوم المساواة التي تتحدث عنها الوزارة، وأكاد أجزم أن المتضرر الأكبر هو العناية الصحية سواء في المدن أو المناطق النائية.
يتحدث الدكتور عثمان- حفظه الله- عن البدلات كميزات إيجابية، بينما هي في الواقع تعتبر من مخلفات الأنظمة القديمة، والتي تجعل من الراتب الأساسي منخفضاً، مما يؤثّر على مستقبل الممارس الصحي التقاعدي كما ذكرت أعلاه، لكن الأهم من ذلك هو فتحها لباب جديد للمحسوبية، حيث يتم ربط بدلات مئات الآلاف من الممارسين الصحيين بقرار لجنة يرأسها معالي وزير الصحة، بالإضافة إلى التفرقة الواضحة بين الممارسين في قرار تعيين بعضهم على بند التشغيل في نفس المستشفى، ويُترك آخرون على بنود الكادر الصحي التقاعدي ومستقبله الغامض، بينما من المفترض أن تكون خدمة المرضى وسنوات الخبرة والأبحاث العلمية المعايير الواجب اتباعها عند تقييم أداء الممارس الصحي وخاصة الطبيب أو الصيدلي، وأن يكون هناك كادر صحي مفصل ومرن لكل مهنة صحية، ويخدم الممارسين الصحيين على مختلف تخصصاتهم في وزارة الصحة بدون تفرقة.
لن أسهب في تناول تطبيق الكادر الصحي على القطاعات الأمنية والعسكرية وقطاع الحرس الوطني، والتي جهزت أنظمة صحية متطورة لخدمة منسوبيها، ويظهر لي أن لها كامل الحق في تنظيم لوائحها المالية، لكنها في نهاية الأمر ليست مسؤولة عن تقديم العناية الطبية لعموم المواطنين، بينما تتحمل المستشفيات الأولية والثانوية في وزارة الصحة والمستشفيات المتخصصة مسؤولية تقديم الخدمات الطبية، وإذا لم يُراع اختلاف أدوارها وخبراتها وتميزها، ستتحول المستشفيات المتخصصة في وزارة الصحة إلى مستشفيات تقدم العناية الثانوية فقط، بسبب تغييب مفهوم العدالة الحقيقي، لذلك من الخطأ الجسيم أن تضع المستشفيات المرجعية على قدم المساواة مع موظفي بنود التشغيل في مستشفيات وزارة الصحية التي تقدم العناية الثانوية، بل يجب حمايتها ومنحها الاستقلالية لاستقطاب الخبرات الوطنية المميزة، والقادرة على تحقيق الإنجاز كما هو الحال في البلاد المتطورة.
وأخيراً ليس الغرض من المطالبة بتعديل أو تجميد أو إلغاء سلم الكادر هو زيادة الرواتب كما ذكر الأخ الدكتور، ولكن المطلوب حالاً، وقبل فوات الأوان تجميد تطبيقه على المستشفيات التخصصية، وعلى وجه التحديد مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بصفته مؤسسة عامة ومنظومة طبية رائدة في تاريخ الصحة الحديث في المملكة، ثم دراسة الوضع الإداري للمدن الطبية التابعة لوزارة الصحة، وكيفية إخراجها من مفهوم برامج التشغيل القاصر، وإدخالها إلى منظومة المؤسسات الصحية غير الهادفة للربح، التي تتمتع بمرونة إعداد لوائحها المالية، ثم مراقبة إنتاجها وتطورها العلمي ومحاسبة الممارسين الصحيين وخاصة الأطباء من خلال معايير القياس والإنتاج والبحث العلمي، وفي نفس الوقت توحيد الكوادر المطبقة على المستشفيات الثانوية، وإلغاء التفرقة الناتجة عن تطبيق كادر التشغيل الذاتي والكادر الحكومي، وإلغاء البدلات وإدخالها في الراتب الأساسي، وجعل الحافز السنوي مرنا، وله علاقة بالمهارة والإنتاج والخبرة، وذلك من إجل إلغاء معايير المحسوبية والإقليمية والفئوية تماماً من حسابات الإدارات في المستشفيات، وجعل الممارس الصحي يسعى جاهداً للتميز في تقديم خدمته الصحية للمريض في بيئة صحية تنافسية، وليس العكس كما هو الحال الآن في مستشفيات وزارة الصحة.