في ظل مدينة صحراوية جافة كالرياض تتنفس عبر رئتين اصطناعيتين هما الإنترنت والريموت كنترول, بات من غير المستغرب أن تتصدر السعودية قوائم الدول العربية الأكثر استخداماً للتوتير وفيس بوك ويوتيوب وغيرها من المواقع الاجتماعية, التي تطل برأسها على المجتمع المتلهف لتلك المنصات التعبيرية, التي أضحت متنفساً رئيسياً للتعبير وإطلاق الآراء مهما كان جنسها ولونها وحدتها, بأسماء حقيقية أو أخرى مستعارة لا يهم.. المهم أن المساواة التي خلقها “توتير” مثلاً أتاحت للجميع فرصة لتقديم نفسه ولو عبر 140 حرفاً هم كفيلون بجذب المئات أو الآلاف لحسابه, الذي ينشر من خلاله فكره وآراءه وآخر أخباره, وكأنه بذلك يرأس تحرير صحيفته الخاصة، يحرر، ينقّح، ينشر الصور ويضع لنفسه الحدود الحمراء التي يقف عندها احتراماً لقواعد اجتماعية أو أخرى دينية وسياسية.
ومع تزايد الطلب والإدمان العالمي من قبل الأجيال الجديدة على شاشات الآي باد والهاتف المحمول واللاب توب, باتت الشركات العالمية تتنافس لخلق أفكار جديدة تجد لها مكاناً مرموقاً وسط هذا الشغف المتصاعد بالأجهزة والمواقع ذات النزعة التواصلية.. ومنها ما اشتهر مؤخراً وكسب شهرة وشعبية لدى جماهير كبيرة من السعوديين ومن مختلف الأعمار, وهو موقع “انستغرام” والمملوك من قبل شركة فيس بوك, حيث حظي منذ انطلاقته بشعبية واسعة حتى أضحى اليوم أحد أعمدة مواقع التواصل العالمي بواقع مشترك كل ثانية! فكرة الموقع ترتكز على التقاط وتحميل الصور ومن ثم مشاركتها مع مشتركين آخرين في التطبيق ذاته, وكعادة أي ظاهرة جديدة تطل على مجتمعنا فإن البعض أصبح يستخدم الانستغرام لدواعي وأهداف أخرى غير التي خلقت من أجلها أبرزها: الاستعراض بالصور ذات التكلف المقيت، مثلاً عرض مظاهر الحياة المترفة التي يعيشها أملاً في جذب أنظار وإعجاب الآخرين بأسلوب حياته أو حياتها الفارهة بأغلى المجوهرات والحقائب والسيارات, غافلين بأن مؤسسي الموقع كانوا يحملون له فكرة أطلقوها من غرفة صغيرة في سان فرانسيسكو عملوا من خلالها لأسابيع آملين في الوصول إلى هدف بسيط الشكل عميق المضمون وهو مساعدة الناس في “مشاركة الصور” مع الآخرين.
من العجيب أيضاً بأن انستغرام أتاح للبعض دون قصد الشعور ولو كان مزيفاً بأنهم مشاهير والبعض صدق ذلك, وبات يصور نفسه أينما حل وفي كل مكان وزمان دون أن يكل أو يمل, يلتقط مئات الصور لتفاصيل حياته اليومية بدقة وينشرها عبر حسابه وكأنه يقول شاهدوني لقد أكلت وشربت وتنزهت ومرضت وسهرت ونمت ووو, ويوثق كل ذلك عبر صور ينشرها كل دقيقة عبر الموقع!.
وبرأيي المتواضع هو أفرغ معنى الصورة وقيمتها كتجسيد للحظة جميلة ومعبرة تحمل معنى وشعوراً, وفرحة مشاركة جمالها مع الآخرين إلى لقطات مكررة ومملة بلا معنى أو هدف سوى الحصول على مزيد من المتابعين.
ومن الأمور العجيبة التي استطاع أن يلعبها هذا الموقع في المجتمع السعودي دور “الخطابة”، أي من يجمع رأسين بالحلال, فبعد زمن كان يتزوج الرجل السعودي والمرأة السعودية دون أن ترى زوجها وشريك حياتها قبل ليلة “العرس” والأم تكتفي بسؤال الأهل والأقارب عن أخلاق ومواصفات العروس, توسعت الآفاق وتبدلت الأحوال وأصبحت الأم تبحث عن زوجة ابنها المستقبلية عبر انستغرام, حين تشاهد صورها عبر حساب أحد من يتابعها وتتابعه, فتقلب صورها يميناً وشمالاً وتشاهدها عبر أطوار وأوضاع مختلفة فمرة وهي تضحك ومرة وهي تداعب الكاميرا! ومرة وهي في بيتها وأخرى في حفلة أو في رحلة سفر, فتبحلق في ملامحها وتدرسها وتقاربها مع الموصفات التي طلبها ابنها المحروس, وبعد أن تنتهي تغلقه وتتوكل على الله وتخطب على الطريقة الانستغرامية الفريدة من نوعها, والتي أسأل الله أن تحمل من آخر حروف اسمها نصيباً وتصبح انستـ...غرامية! وألف مبروك للعروسين سلفاً.
Twitter:@lubnaalkhamis