- لو وعينا أهمية الأوراق الشخصية المتناثرةِ التي نتخلص منها في حملاتنا”التفريغية” لتنظيف ملفاتنا وأدراجنا من متراكِمها لوظفنا التقنية لتخزينها في وسائط ميسرةٍ لا تشغل حيزًا؛ فقد يجيء زمنٌ تصبح فيه هذه”الترهلاتُ” ذاتَ قيمةٍ تصعد بها لمقام الوثائق الخاصة والعامة.
- حذّرت أدبياتُ الإدارة الحديثة من “النمر الورقي” ودعت إلى “ترويضه”، وهو ما نحس به حين نجد خزاناتِنا ملأى بالقصاصات والخطابات والمُسَوَّدات”المتنية والهامشية” التي نضيق بها حينًا فلا نجد وقتًا لتنقيتها، وربما جُرنا على النادر فيها فألقيناه في سلال “الإهمال” لتطويه ذاكرةُ النسيان، وقد نندم إذ لات استعادة.
- يؤسفه أن يكون أحد النادمين على ما أضاعه من أوراقه وأبحاثه وكتاباته المبكرة وأرشيف صوره، وفيها ما يعود إلى مرحلة ما قبل المشي، وسعد إذ رأى في كراسة ذكريات رحلة طلابيةٍ قام بها مع زملائه إلى المدينة المنورة أجمل هديةٍ تلقاها من صديقه الوفي الأستاذ عبدالعزيز العلي القاضي.
- في الرابعة عشرة من عمره كان، وقريبًا منه كانوا، وقد فتح لهم (أبو علي)كراسةً ليكتب “العشرون” ما يشاؤون من أفكار وتعليقاتٍ لم تمثّل قيمةً في زمنها كما يُفترض لكنها - اليوم - تحكي تفاصيل شخصيةً ومجتمعيةً قد يستدل بها باحث تربويٌ واجتماعيٌ لرصد المتغيِّرات خلال حقبة لم تطل.
- أربعٌ وخمسون صفحةً اشتملت على الانطباع والمعلومة والرؤية والنقد والمقارنة واللقاءات مع بعض أعضاء الفريق، ويلفت النظر فيها جديةُ الحوار وترتيبه ووضوح الخطوط ورقي اللغة وسلامة معظمها من الأخطاء النحوية والإملائية ورصد المعلومات المهمة المتصلة بجغرافية الطريق وتأريخية المزارات؛ ما يجعل المقارنةَ ظالمةً للجيل الجديد، إذ يكاد يستحيل وجود هذا التدفق والدقة بين منْ هم في مرحلة عمريةٍ مبكرة.
- لم تخلُ الكراسة من رصد ظواهر ثقافية؛ فالآثار أخذت اهتمامًا بارزًا من الصبية بتأكيد أهمية المحافظة عليها دون تحفظ، وإنما نطقوا بأفكار زمنهم قبل أن تظهرَ رؤىً مغايرةٌ وتُطمس معها ملامحُ أزمنةٍ ثريةٍ لأمةٍ صنعت تأريخًا نحنُّ إليه ونبكي عليه.
- في برنامج الحفل الختامي لمركز “المدينة” الصيفي كانت الفرقة الموسيقيةُ حاضرةً بأكثر من فقرةٍ؛ حيث عزفت بعض المقطوعات والأناشيد، كما لعب الصغارُ على نغماتها لعبة “الكراسي الموسيقية”، وهو أمرٌ ألفه جيلنا، وسجل بعضَه صاحبكم في كتابه (وفق التوقيت العربي) ويبدو اليوم نوعًا من الخيال أو المُحال.
- كان “الكتاب” قاسمًا مشتركًا بين الشباب في المذكرات عند إجابة سؤالٍ عن آخر كتابٍ قرأوه؛ فأشار صاحبكم إلى كتاب الأستاذ محمد عبدالقادر العمادي (الرافعي وطه حسين)، وذكر آخرون: (تحت راية القرآن وطبيبك معك ومعجزة فوق الرمال) وسواها، وكان الأجمل “ربما” الرؤيةَ الفاحصةَ لبرنامج الحفل ومعطيات الرحلة، وبدت جريئةً وموضوعيةً ولم تخلُ من تقويمٍ رقميٍّ مقارنٍ بين مركزين.
- كذا تصنع الذكرى بالذاكرة، وبمثله تغيب الصورُ الوضيئةُ لأننا ظنناها هامشًا فبدت متنًا بعد حين، ومعها امتنانُ المحب لأساتذتهم في المركز والرحلة: (عقلا العقلا وعبدالله الزيد الفرّة وحمد الحميميدي وصالح الرميح وحمد الحديبي وعلي الكغيل) ودعاؤه، ولن يفي.
- الأمس ممرُّ الغد.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon