اضطرابات الشرق الأوسط لا تزال في واجهة الإعلام الدولي، وتهيمن على صفحات الإعلام ونشرات الأخبار الدولية.. وتُعَد هذه المنطقة منطقة حيوية لمعارك إعلامية مستديمة تبدأ من حدث وتنتهي بمنظومة من أحداث متتالية تفرض ذاتها على مساحات الإعلام الواسعة في العالم.
وتحتل المنطقة صدارة اهتمامات الرأي العام العالمي، حيث تراقب الأعين وتتجه الأنظار كل يوم بل كل ساعة إلى قنوات الإعلام لتتعرّف على ما يستجد من تطوّرات أو يتطوّر من أحداث..
ودائماً الإعلام في واجهة الأحداث.. نبحث عن الإعلام كما نبحث عن الأحداث وكأنّ الإعلام قد اقترن بالأحداث، فلم يَعُد يستطيع المراقب السياسي أو المشاهد الإعلامي يفرق بين ما هو إعلامي وما هو سياسي.. ولم يَعُد السياسي منفكاً عن الإعلامي كما لم يَعُد الإعلامي خارج نطاق التغطية السياسية. وهذا التمازج بين السياسي والإعلامي جعل البحث عن الحقيقة في غاية الصعوبة في بعض الأحيان، ويحتاج الفرد أن يمحص ويدقق وينقب بين الأحداث حتى يمكنه ربما أن يصل إلى ملامح من الحقيقة الضائعة في تراكمات من الآراء والأحداث..
الشرق الأوسط هي منطقة عاطفية مبنية على قواعد نفسية من التركيب البشري، وهي ليست مثل باقي المناطق الأخرى في العالم، فمجتمعات الشرق الأوسط ذات تراكمات تاريخية من الأعراق والديانات والمذاهب والعقائد والأفكار والنفسيات التي صبغت هذه المنطقة بألوان متباينة وأشكال مختلفة، وباتت الاتجاهات عشوائية دون مقابلات منطقية أو ترجمات واقعية.. وأصبح الشرق الأوسط شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لكل العالم.. وعمل لأن يكون ردة فعل لتقلّبات الدول الأخرى وانعكاساً لاتجاهات الآخر.. وهكذا أيضاً هو الإعلام في المنطقة يتلوّن ويتشكّل ويتغيّر ويتحوّل حسب قوة دفع الأحداث الداخلية في المنطقة وحسب تأثير الفكر والسياسات الخارجية عن المنطقة..
منطقة الشرق الأوسط أصبحت منطقة نفوذ عالمي للإعلام فتتباري دول العالم وخاصة ذات القوة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية إلى الدخول إلى المنطقة، فمعظم القنوات الدولية وقنوات الدول العظمى هي موجودة هنا وبلغات الشرق الأوسط، في محاولة إلى تجاوز النخبة والدخول إلى عقول الشعوب دون حواجز أو سياسات حماية.. وهكذا أصبحت المنطقة تحت الاستعمار الإعلامي للدول العظمي، وحتى الدول المتعاظمة بدأت تحاول الدخول إلى سوق الأحداث في المنطقة..
وهذا التعاظم في القنوات الإعلامية الدولية الموجّهة إلى شعوب المنطقة، هي التي بدأت تشوّش على صورة الحدث الشرق أوسطي وتتلاعب معه وفق أجندات سياسية معيّنة، تصب في إطار مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة الغنية بثرواتها وثقافتها ولموقعها الاستراتيجي بين مناطق وقارات العالم.. وإذا عدنا إلى موضوع الاضطرابات التي تتجدّد في المنطقة سنجد أنّ المصالح الإستراتيجية هي التي تفرض على الدول العظمى والدول ذات النفوذ الاقتصادي والثقافي أن تجد لها موطن قدم إعلامي بين شعوب هذه المنطقة الحيوية.. وللتدليل على ذلك فإنّ معظم القنوات الإخبارية الدولية متواجدة هنا في هذه المنطقة، ولها مكاتبها ومراسلوها، ولم تكتف بذلك بل استثمرت في قنوات بلغات شعوب المنطقة، يضاف إلى ذلك تواجد قنوات إخبارية أو ثقافية بلغاتنا من جميع الدول الكبرى في العالم، وهذا يجسِّد التنافس من اجل التأثير على أبناء وبنات المنطقة الشرق أوسطية..
أحداث المنطقة بألوان وعيون مختلفة منها ما هو محلي ومنها ما هو خارجي ومنها ما هو ممازحة بين المحلي والخارجي، ويظل المشاهد العالمي يبحث عن ميكانيزمات يتفهّم من خلالها على طبيعة ما يدور في المنطقة من أحداث، ولكنه يصطدم بتعدّديات إعلامية تفرض عليه ألواناً وأطيافاً متباينة من الرؤى والاتجاهات تشوّش على الصورة التي يمكن أن تنقل إليه من هذه الوسائل.. كما أنّ المنطقة ذاتها هي مجموعة من المكوّنات المتباينة والعناصر المتناثرة، ولهذا هناك رؤى مختلفة مبنيّة على اختلافات داخلية في المنطقة، وهذا الاختلاف في المكوّن الداخلي وأمام التضارب في المصالح الخارجية للدول العظمى يجعل من منطقة الشرق الأوسط من أعقد المناطق فهماً وتعاملاً..
وكنا ذكرنا سابقاً ان الإعلامي هو جزء من السياسي ويقع تحت عباءته، وهذا ما يجعل الأحداث في هذه المنطقة مرهونة بفهم السياسة أولاً ثم الإعلام ثانياً، ومن الصعوبة استيعاب الحقائق كما هي حقائق، ولكن ما نراه ونسمعه ونقرأه هو رؤية متشبّعة بمصالح ومواقف سياسية تؤثر على واقع الأحداث في المنطقة.. وما أعنيه هنا أنّ أبناء المنطقة لم يدركوا بعد ما يدور في منطقتهم من أحداث، وما يشاهدونه ليس إلاّ رؤية متقزمة مختزلة من مصالح متمازجة بين الداخلي والخارجي، وهي رؤية أقل بكثير من المشهد الحقيقي للأحداث في منطقة الشرق الأوسط.. إنّ هذه المنطقة تنفرد باكتظاظ هائل من الوسائل الإعلامية الخارجية يضاف إليه الاستثمار الكبير قي الإعلام من قِبل حكومات المنطقة، مما جعل المنطقة في الإجمال بيئة خصبة يتنافس فيها الجميع من أجل اكتساب استحقاقات تؤثر على مسار الأحداث، وبالتالي تلعب دوراً في إعادة صناعة أحداث المنطقة بلغة إعلامية قد تكون بعيدة عن واقع ومنطق الأحداث التي نعيشها..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود