كان قائد تكريت بالعراق يستعجل أهله كي يرحلوا عن القلعة قبل انقضاء المهلة المحددة لهم، فالرجل الذي عاش سابق حياته والياً على القلعة، قد جاءته الأوامر من السلطان أن يخليها ويرحل هو وأهله عنها وبلا إبطاء.
وبينما الأهل يجهزون رواحلهم ويستعدون للمسير، وإذا بزوجته تصرخ وقد فاجأتها آلام المخاض، حار القائد فيما يفعل وقد قاربت الشمس على الانبلاج معلنة بدء يوم جديد ليس من صالحهم أن يأتي وهم بعد في القلعة.
انتظر الرجل وكله ترقُّب وقلق حتى إذا وضعت زوجته ولدها، حملهما معاً وسار بهما إلى مبتغاه البعيدة حيث بلاد الشام، وفي الطريق عاتبته زوجته أنه لم ينظر لوجه طفله قط، ولم يختر له اسماً، فقال لها وهو يتأمّل الظروف المؤلمة التي تحيط به: ما أظنه سيعيش في هذه الظروف الصعبة!
كان الرجل متطيراً من مقدم هذا الفتى في تلك الليلة الحزينة، فلم ينظر في وجهه حتى وصل إلى مبتغاه.
لكن القدر كان له رأي مختلف، فمع دوران الأيام كان لتدبير العناية أمر آخر ..
أعوامٌ تمر، ويقف العالم كله، شرقه وغربه، مسلموه ومسيحيّوه، باحترام وإجلال، لرجل غيّر مفاهيم القيادة والحرب.. ذاك هو الناصر صلاح الدين الأيوبي.
«الرجل الذي وُلد في ليلة كئيبة حزينة، ما الذي فعله كي يصبح أسطورة الدنيا، ومُلهم القادة، ومغاث الملهوفين، ورمز العزة والكرامة».
عجيب أمر الدنيا، عجيب تدبير القدر.. نهبط جميعاً معترك الحياة وقد تعدّدت نقاط البدء لكل واحد منا، كلٌّ وفق ظروفه وحاله وزمنه.