1- انطلق الإنسان البدائي في حياته مدفوعاً بمحفز حب البقاء.. فجمع الثمار للغذاء وتسلق الأشجار هروباً من الوحوش وسن الأدوات الحادة دفاعاً عن النفس وبنى المساكن تكيفاً مع الطقس ثم اكتشف النار ثم تعلم الزراعة.. أي أن الحاجة البيولوجية (حب البقاء) كانت هي الأساس في التحفيز.
2- الإنسان الوسيط خضع لنظام تحفيز مختلف مع اختلاف الزمن وسقوط العامل البيولوجي كدافع وحيد.. وصعدت التجارة كأحد محركات الحياة.. وظهرت المهن التي صنفت الناس.. وازدهرت صناعة تقديم الخدمات.. فظهر نظام الثواب والعقاب كمحفز يطمع به الإنسان أو يهابه.
3- محفز حب البقاء عند الإنسان البدائي كان فردياً في كل حالاته.. وقتياً في كل أحواله لا يبني على سابقة ولا يضيف لأمر لاحق.. أي أنه أمر شخصي بحت ليس له صلة بغيره.. فاختفت دوافع التنظيم أو التكامل أو التعاون.. كما انعدمت المعرفة التراكمية.. أما محفز الثواب والعقاب في مرحلة الإنسان الوسيط فهو متصل بآخرين سوف يمنحون الثواب أو يوقعون العقاب.. وهؤلاء الآخرون غايتهم الربح أو المجد الشخصي في انتصار معنوي أو لسبب مادي.. أي أنه نظام يتعامل مع الإنسان على أنه آلة صماء تعمل إما بالوعد أو بالوعيد.. هذا هو الجانب السلبي في هذا المحفز في العصر الوسيط لكنه بنى معرفة تراكمية وزاد من قدرات التنظيم ومعارف الإدارة.
4- أما الإنسان المعاصر فقد انطلق من محفز ثالث وهو المحفز الداخلي الذي يحقق للفرد ذاته وكيانه.. وإشباع رغباته واستمتاعه بمهاراته ومواهبه والفخر والزهو بانتصاراته ونجاحاته.. لذلك فإن الكيانات الإنسانية المعاصرة من اقتصادية أو معرفية أو مهنية أو مدنية أو عسكرية لا يمكنها النجاح دون أن يكون القائمون عليها والعاملون فيها من ذوي الدوافع الداخلية القوية التي تعمل لتحقيق هدف يتجاوز الثواب أو العقاب.. من هنا فإن الشركات المعاصرة الناجحة تتعامل مع الكوادر البشرية على أنهم أفراد مبدعون لا آلات صماء مدفوعة بالثواب والعقاب.. لذلك فهي تبحث عن الكوادر ذات النزعة الداخلية الطموحة القوية للنجاح لا لأداء الأعمال فقط.
5- وخلاصة القول إن الإنسان الذي يتقدم بمحفز داخلي أرقى وأكثر تحضراً من الإنسان الذي لا يتقدم إلا بمحفز خارجي.. فالمحفز الداخلي هو وليد التزام وانسجام.. أما المحفز الخارجي فهو وليد إذعان وامتثال وشتان ما بين الأمرين.. هذا إضافة إلى أن المحفز الداخلي يقود للاتفاق ويزيد من ترابط الجموع لأنهم ينطلقون لتحقيق غاية مشتركة.