رحل نيوتن تاركاً لنا (قانون الحركة)، فـ انزوينا نتأمل السكون؛ ننتظر من يحركه، إما بحركة دائرية أو مستقيمة أو متعرجة، إن لم يستطع تحريك ذاته. قالوا: الجماد القابل للتحريك يحتاج إلى من يحركه، لأننا إذا لم نحركه؛ استغلته العناكب وبنت بيوتها الواهنة - الدقيقة الغزل
ومع قولهم تخيلت اللزوجة الـ تصطاد الحشرة الفريسة. وقال أرسطو عن العشق وعلاقته بالحركة والسكون، وبوجود محرك أول غير متحرك؛ لأنه لو كان متحركاً لاحتاج بدوره إلى محرك. فالعاشق -في رأي أرسطو- يتحرك نحو معشوقه. قالوا بالظواهر الكونية، بقانون الجاذبية وعلاقته بالحركة، بالانجذاب وبأشياء كثيرة أسها الحركة القانون، عندها تأملت اللوح في صالات الفنون وقلت: (هل كنّا سنندهش، نستمتع، نحلق بخيالاتنا، ونقرأ دلالات الألوان وتقاطع الخطوط، لو لم نتحرك إليها، إلى الأشياء، إلى الورقة والقلم وقبلها الكتاب؟ فوائد الحركة أقرت بها الطبيعة والكون إقرار الجسد أو الصحة بأهمية الحركة البدنية للصغار والكبار على حدٍ سواء من تقوية العظام للأطفال وتعزيز العضلات والحفاظ على ليونة جسد الطفل وعلى وزن صحي وقوام جيد وتقوية القلب، كذلك الحركة ونتائجها الطيبة ترسخ لدى الطفل النظرة الإيجابية لجسده وتضمن له نمواً جيداً وسليماً..
فماذا لو استمرت الحركة والرياضة البدنية حتى الشيخوخة؟ ماذا عن الحركة التلقائية واللا إرادية لرمش العين، وهل هي حركة عشوائية غير مؤسس لها، والعلماء أكدوا حماية هذه الحركة للعين من الجفاف وبالتالي تحافظ على مرونة العين فهي ترمش بمعدل 20 مرة في الدقيقة تقريباً. بل إننا لو وضعنا السكر في الكوب ثم سكبنا عليه الماء المغلي وتركناه دون تقليب ترتب على ذلك ترسب السكر في قاع الكوب وبالتالي لا يتوزع السكر بشكل جيد في الكوب ويضفي على الشاي مستوى واحداً من الطعم. وفي تحرك البحار والأنهار وعدم ركودها حكمة ومشيئة مثلها مثل الحكمة الربانية من تقليب أصحاب الكهف عند نومهم الذي امتد إلى مئات السنين، حيث لم تكن حبكة درامية أو زيادة في عنصر المفاجأة في قوله (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) الكهف:18 الباحث قسطاس إبراهيم النعيمي في عمل بحثي له أشار في شأن هذه الآية والإعجاز العلمي فيها إلى أنه قد تقاربت أقوال المفسرين في أسباب التقليب، وعدد مراته، وكيفيته، ومصدره، وتعليل ذلك، وهو أن تقلبهم كان لجهة اليمين واليسار، والذي يقلبهم هو الله سبحانه، بإرسال ملك لتقليبهم، وأن التقليب كان مرتين في كل سنة أو في مدة رقدتهم كلها، وعللوا ذلك التقليب بأنه لئلا تأكلهم الأرض. قال الطبري: “نقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر”، وقال ابن كثير: “يقلبون في العام مرتين”، ثم أردف قول ابن عباس رضي الله عنه قائلاً: قال ابن عباس: لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض، وأورد القرطبي قولاً لأبي هريرة رضي الله عنه جاء فيه: أن لهم في كل عام تقليبتين وقيل: في كل سنة مرة، وقال مجاهد: في كل سبع سنين مرة وقالت فرقة: إنما قلبوا في التسع الأواخر وأما في الثلاثمائة فلا، وظاهر كلام المفسرين أن التقلب كان من فعل الله ويجوز أن يكون من ملك بأمر الله فيضاف إلى الله تعالى، وجاء في روح المعاني للآلوسي: “أي ننقلهم من عالم إلى عالم، وقال ابن عطاء: نقلبهم في حالتي القبض والبسط والجمع والفرق، وقال آخر: نقلبهم بين الفناء والبقاء والكشف والاحتجاب والاستتار، وقيل في الآية إشارة إلى أنهم في التسليم كالميت في يد الغاسل”. وبالنسبة للعلوم الطبية الحديثة فيقول الدكتور عبد الحميد دياب: إن من الإصابات الشائعة والصعبة العلاج التي تعترض الأطباء الممارسين في المشافي هي مشكلة حدوث (الخشكريشات) أو ما تسمى بقرحة السير Bed Sore عند المرضى الذين تضطرهم حالتهم للبقاء الطويل في السرير كما في كسور الحوض والعمود الفقري أو الشلل أو حالات السبات الطويل، و(الخشكريشات) هذه عبارة عن قرحات وتموت في الجلد والأنسجة التي تحت الجلد بسبب نقص التروية الدموية عند بعض مناطق الجلد، نتيجة انضغاطها بين الأجزاء الصلبة من البدن ومكان الاضطجاع، وأكثر ما تحصل في المنطقة العجزية والإليتين وعند لوحي الكتفين وكعبي القدمين، ولا وقاية من حدوث هذه (الخشكريشات) سوى تقليب المريض، بحيث لا يبقى بدون تقليب أكثر من (12) ساعة. وبدون الحركة الـ تستمر في أخذ أذهاننا والتفكير إلى عوالم أخرى لن تنتهي، قانون الحركة باعثها ومقلبها في أدمغتنا إن نحن ركزنا جيداً.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil