إذا كنت أحياناً أكيد للسأم بالكتابة السياسية وأصادم العدم بكتابة الشعر، فإنني ليس إلا بغرض بريء كمواطنة تعشق تراب أرضها ألجأ إلى الكتابة الاجتماعية. غير أن الكتابة الاجتماعية عدا مخاطرها الظاهرة والباطنة لأنها قد تخوض فيما يخاله بعضهم شأناً خاصاً وإن كان من صميم الشأن العام أو قد تتناول ما يحبذ التستر عليه من
أخطاء البشروكأن المسؤول ملائكة لابشر، فإنها قد تصبح مع الوقت قيداً يفقد الكاتب لياقته الإبداعية خاصة إذا كانت هذه الكتابة في الصحف اليومية. إذ تصبح أصابع الكاتب ومفاتيح الكتابة بين مطرقة التوقعات وسندان الرقابة بأشكالها المؤذية ومصادرها المأزومة التي ليس لبعضها من عمل إلا عد أنفاس البشر وليس لسدنتها من وظيفة إلا قراءة فنجان النوايا كعراف يخشى تعطل دوره خاصة بعد تويتر ووسائل الاتصال المضاءة الأخرى.
لذا فإنني في هذا المقال سأكتب كلاماً لا يهم أحداً ولا يزعج أحداً كلاماً خالياً من أي شغب نقدي أوحس تساؤلي كخلو زيوت العافية من الكلسترول وكأننا لا نزال في مرحلة ما قبل الانفجار المعلوماتي وتفجر الربيع العربي. ولا يبدو أنني اتخذت هذا القرار مخالفة للتوقعات أو إرضاء لرئيس التحرير فهو رجل لا تنقصه الشجاعة وإن ارتفعت عنده ككل الرؤساء عندنا نسبة التحسب في الدم أحياناً. فهذا القرار يأتي بمحض إرادتي وكأنني أجرب النكاية بنفسي وأختبر قدرتي على الإضراب أو الامتناع عما كان يسميه اليسار الفرنسي بالكتابة الملتزمة.
ولعلني بهذه الكتابة التي لا تهم أحدا أحظى بشيء من السلام وقلة “الاهتمام الجماهيري العارم” بقراءة ما لم أكتب بين السطور. كما لعلني بتجربة هذه الكتابة التي لا تهم أحدا أتعلم شيئاً من التواضع فلا أحسب أن كتابتي عن هذه القضية الوطنية أو تلك القضية من قضايا المحاسبة أو الفساد هي الترياق لما نعانيه من عصاب التخلف بأنواعه وخاصة ذلك النوع السام من التعصبات القبلية والمذهبية وتوزيع الحظوظ والأرزاق بحسب ميزان الحظوات. وأخيراً فلعل أعناق خيول المخيلة أو غزلان اللغة تفلت من سطوتي حين تكون الكتابة متخففة من أوزار تتبع سلوكيات البشر الاجتماعية والسياسية.
* * *
صباح الأعراس
قالت لي صديقتي د. مها العيدان وأنا أهاتفها السادسة صباحاً, أول نهار يوم الاثنين 18 صفر الموافق 31-12-2012 الذي يكون مساؤه حفل عرس ابنتي، بعد أن طمأنتني بأنها استلمت أسئلة اختبار طالباتي للدراسات العليا، “ويله يام العروسة” وش مصحيك الآن وأمامك نهار طوووووووووويل وحااااااااااااااافل. وأردفت والله أني في نفس هذا اليوم قبل عامين في زواج ابنتي ديما كنت كمن يمشي ركضاً على مضمار كهربائي، قلت لها والله وصفت حالي ولكن ماذا أفعل, صحوت مع أذان الفجر مع أنني لم أدخل البيت بفستان الفرح إلا منتصف الليل كان لازم أتأكد من بعض واجباتي الأكاديمية ولا يزال عليّ أن أكتب المقال. صعقت مها وربتت عبر الجوال على كتفي ففاحت في هواء غرفتي رائحة الحنان. وقالت إذن أتركك، ولكن أرجوك اكتبي عن توزع الأدوار التي تحياها النساء. فالواحدة منا, أم وصديقة وعشيقة ومعلمة ومتعلمة ومنسقة حفل ونجارة وطباخة وصبابة وسباكة ومتعهدة حفلات وموزعة لبطاقات العرس إلى ما قبل العرس بلحظات، وسيدة عاملة. “ضحكت وقلت وشوي تقولين طقاقة”، شاركتني ضحكة ترن من أعماق القلب وأكملت وتتوالد الأدوار وتتقاسمنا وظائفها بل تنهشنا بغير عدل خاصة عند زفاف الأبناء. وقبل بداية المساء يجب أن تكوني سيدة متألقة توزعين الابتسامات وتتساقين كؤوس السعادة مع الأصدقاء. قلت لها صدقت ولكن ما أن تهل العروسة والعريس إلا وتهب في أوصالنا رياح الحيوية من جديد ونعود دفعة واحدة شبابا. ذهبت مها واستمريت في الأحلام.
يا للفرق الشاسع بين الليلة والبارحة.
قبل عدة سنوات وبالتحديد في التسعينيات كما كتبت حينها في عمودي الأسبوعي بجريدة اليوم كنا نجلس بحميمية وتحفز نسترق السمع والنظر إلى تحولات العالم من خلال المشاهد المهرّبة عبر فضائيات محدودة التي كانت مشاهدتها امتيازاً لبعض الضالعين في التلصص،كان العالم يطل من الشاشة يحتفل بنشوة سقوط جدار برلين ويحلم أحلاماً رأسمالية شفيفة بتوزيع الفقر إن لم يكن بتوزيع الغنى، يحلم بكف زحف تماسيح الحروب إن لم يكن بإطلاق حمائم السلام وبأحلام أخرى لم تكن بعد من الممنوعات التي تحرمها القوانين الدولية أو تمنعها عن عمد عن الشعوب المستضعفة, ومن الطابق الثاني كان يصلنا حيث نجلس، ضحكات أطفالنا وهم يخبئونها في أكمام بيجامتهم حتى لا نكتشف أنهم تجاوزوا موعد نومهم ببضع أحلام وهم يخططون للغد ألعاباً مركبة لا تشبه ألعابنا الساذجة يوم كنا في أعمارهم.
الليلة، الأطفال لم يعودوا أطفالاً صاروا شباباً يشاركوننا القرارات ويخالفوننا الرأي حتى لا نكون الشباب الوحيد على الأرض, والفضائيات صارت مشاعاً ولم تعد المنفذ الوحيد المسترق على العالم وقد فتحت شبابيك وندوز وشبكة الإنترنت المجتمعات على مصراعيها وانهدم جدار برلين وكل الجدران الحديدية أو الحريرية الأخرى ولم يعد للحدود الجغرافية من أهمية تذكر إلا على الخرائط السياسية فيما يعبر الأطفال من قارة إلى قارة في لحظات غير مبالين بحنق رجال الحدود والجمارك وسواهم من الحرس القديم.
الليلة، لم يعد بي ولا بغيري حاجة إلى التلصص على العالم من قناة فضائية منفردة ولو أردت متابعة كل هذا الفائض الفضائي لاحتجت إلى اقتراض أعمار أخرى غير عمري ولأن ليس هناك من يقرضنا هذا القرض الباهظ، وبما أن الديون مذلة للشعوب في النهار وهموم لقياداتها في الليل كما يتضح من إجراءات البنك الدولي تجاه البلدان المدينة فقد صار السؤال هو متابعة هذا القدر الهائل من الخيارات.
الليلة، يبدو العالم على مفترق طرق من جديد، والسؤال الذي يسابق السنة الميلادية الجديدة هو سؤال، كيف تغسل الأجيال الأرض من التلوث البيئي من اللون الأيديولوجي التعصبي من عوادم السياسة بضحايا أقل وأحلام أوضح؟!
* * *
تلويحة فرح
تنسكب السنوات خارج حقوق الملكية الأبوية لأي كائن من كان على وجه الأرض فلا يبقى لنا من تجريح ومرح تلك الأيام الذاهبة عكس العمر إلا كنز الذاكرة, نقلب محتوياته بنشوة أو احتدام.
هذا بعض مما ينتابني وأنا على جناح موجة فرح طفول وبجانبها بدر وبجانبهما أحمد وفاطمة وبجانبي غسان ولينا وعبدالرحمن.
وستكون لي وقفة مع مشاعر الأم يوم فرح الأبناء حين أتحرر من توتر الإعداد للمناسبةكأنها أول حفلة فرح في حياتي. كأن ضفائري تتطاير في الفضاء وأنا ألاحق الفراشات وأطير في موكب الملكات.
* * *
الولد بدر والبنت نور الفجر يلتقيان في أحلى قدر
شكراً لصديقاتي مزنة المحمود والجازي الشبيكي وأديبة الشماسي وفاطمة الخريجي ومشاعل البكر ودينا الجودي وهتون الفاسي ومرضية البرديسي ومشاعل آل سعود والجوهرة آل سعود وفوزية العيوني وإيمان الغيث وسلوى الفاضل وندى الربيعة وثريا عبيد ولانا السعيد وعبدالعزيز السيف وفهد العبدالجبار وخالد المالك و.. وجاسر الحربش.. ومحمد الشدي وعبد الله الناصر وعبدالعزيز العويشق ومحمد الدميني ومن لا يحصى من الصديقات والأصدقاء الذين وقفوا معي بوفاء في كل لحظة فرح أو شدة. وشكراً لأشقائي وشقيقاتي رنية ونها وحسناء ونوال ومشاري وعبدالرحمن الذين حملوا أنفسهم من أسفار بعيدة لأجد في كل منهم طيفا من أطياف أمي تمد يدها من مكانها الكريم وتظللني من الحر ورصيفاً وتكسوني بريش الحرية في الشتاء.
“ووويلو يام العروسة الله يتمم هاك ويله ليلة هنية والحبايب معك” وعقبال كل الشابات والشباب.
Fowziyaat@hotmail.comTwitter: F@abukhalid