«الكبسولة الزمنية» مصطلح يعني صندوقاً يُخَزّن ليُفتَح في المستقبل، والهدف أن يرى بَشر المستقبل الأشياء التي نستخدمها في حياتنا، مثل أدوات أو وثائق وأحياناً ألعاب أو كماليات، وهذه حتى لو لم يكن لها قيمة ظاهرة إلا أنها مفيدة في التعريف ببعض أوجه معيشة البشر اليومية الفعلية. ولا يُشتَرَط أن تكون الكبسولة مقصودة، فمثلاً في 2006م كان فنّيون يعاينون جسراً في نيويورك في صيانة دورية وتفاجأوا بخزانة ضخمة في زاوية مظلمة أسفل الجسر، ولما فتحوها وإذا بها تحوي مُؤن البقاء كالماء والأدوات الطبية والبسكويت، واتّضح أنها من بقايا عصر الحرب الباردة، فلما كان هَوَس الحرب النووية على أشُدِّه في الستينيات الميلادية صنع أحد الخائفين تلك الخزانة ووضع فيها المؤن في حالة قام الاتحاد السوفيتي بقصف أمريكا بالسلاح النووي، ثم انتهت الحرب الباردة ومضى صاحب الخزانة في سبيله ناسياً إياها. أما الكبسولات المتعمدة فمن أوائلها كبسولة أعدّتها شركة وستنغهاوس في معرض عام 1939م، واحتوت على أشياء من ذلك الزمان مثل بكرة خياطة ودمية ومحاصيل غذائية ومجهر، إضافة إلى ميكروفيلم يضم معجماً وتقويماً ونصوصاً أخرى. هذه الكبسولة مدفونة 15 متراً أسفل الأرض التي أقيم عليها المعرض في نيويورك، وستظل مدفونة إلى موعد فتحها، وذلك سنة 6939م!
وأحياناً تجري الرياح بما لا تشتهي الكبسولات، ذلك أن مؤسسة متخصصة في الفضاء أعدّت كبسولة عام 1963م بِنيّة أن تُخزَّن مائة سنة، وكان مما أودعوه فيها كتيِّب بعنوان «2063م»، وهي السنة التي أريد للكبسولة أن تُفتَحَ فيها، وهذا الكتيب يحوي مقابلات مع أناس تكلموا عن تنبؤاتهم عن تلك السنة خاصة، فمثلاً قال أحد ضباط القوات الجوية إن البشر سيسكنون القمر وإذا أتت تلك السنة فسيصل سكان القمر إلى 100 ألف، بينما سكان مستعمرة المريخ لن يزيدوا على 10 آلاف، وتنبأ رائد فضاء أن البشر سيخترعون أنظمة نفّاثة مضادة للجاذبية توصل البشر لآفاق في الفضاء لم يكونوا يحلمون بها، وقال الرئيس السابق ليندون جونسون إن تلك السنة سترى البشر وقد تحكموا بالطقس ويتنقلون بين الكواكب كل يوم بسهولة. ظلت هذه الكبسولة في خزانة حديدية عشرات السنين حتى هدموا المبنى، ونسوا الخزانة فضاعت وما زالت ضائعة، لكن من حسن الحظ أن المؤسسة طبعت نسخاً أخرى من هذا الكتاب وهو الشيء الوحيد الباقي اليوم من تلك الكبسولة المفقودة.
مع تَوسّع الكلام عنها صارت الكبسولات الزمنية أكثر انتشاراً بعد أن عرف الناس فكرتها، وصار حتى الناس العاديون يدفنون أشياءً في أراضيهم وينبشونها لاحقاً، ومن أشهر الكبسولات المعاصرة كبسولة «كي أي أو KEO» والتي يجري الإعداد لإرسالها. هذه الكبسولة قمر صناعي يحوي رسائل من أهل الأرض الآن إلى بشر المستقبل. في الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع طلبوا من الناس إرسال رسائل لإنس المستقبل لِتوضع في القمر الصناعي على هيئة رقمية - أي مثل القرص المدمج - ووعدوا أنه لا رقابة على محتوى الكلام وأنه لكل امرئ أن يكتب ما شاء، وطَمْأنوا الناس أن السعة كافية، ففي «كي أي أو» مساحة تكفي أن يرسل كل إنسان على الأرض رسالة من 4 صفحات. انفجرت الرسائل من كل أعراق ولغات الناس في العالم، وما زالوا يستقبلون الرسائل وقت كتابة هذه السطور (1434هـ-2012م) ويحثون الكل على إرسال أي شيء لأجيال المستقبل، وأرفقوا مع القمر أشياء أخرى مثل قطرات دم بشرية محفوظة داخل ماسة، وعينات من تربة الأرض ومائها وهوائها، وصور لبعض البشر، وفوق هذا كله أرسلوا «مكتبة الإسكندرية»، وهي موسوعة هائلة تحوي ملخصاً لكامل العلم الذي يعرفه البشر الآن. هذا القمر كان المفترض أن يُطلَق عام 2003م لكن حالت الظروف دون هذا، وأخّروا موعد الإطلاق حتى صار الموعد الآن عام 2014م، والفكرة أن القمر سيظل في الفضاء إلى أن ينتهي عمره الافتراضي فيسقط على الأرض في المستقبل...وذلك بعد 50 ألف سنة!