|
إعداد - محمد بن أحمد الرشيد:
خميسية حمد الجاسر - 5 جمادى الآخرة 1433هـ - الموافق 26 أبريل 2012م
واضح من العرض السابق لرحلة البحث عن رسالة الجامعة أن الجامعة في المستقبل متجهة إلى المجتمع التحاماً به، وخدمة له، بل أداة تغيير بناء له. فمناسك العلم المنقطعة له سوف يصعب عليها العيش وسط مجتمع المستقبل القائم على الصراع والمحاسبة والمسؤولية؛ حيث العالم يتجه إلى مزيد من مشاركة القدرات الشعبية في القرار ما دامت القرارات تمسهم، وتمس تعليم أبنائهم، ومحاسبة المواطنين لكل المؤسسات عما تنال من إنفاق وبخاصة أن الزمن الحالي والقادم كما يرى الاقتصاديون لن يكون تكراراً للماضي في الإنفاق المذهل على التعليم، فمجتمع المستقبل - كما نرى بوادره الآن- إذا أنفقَ حَاسَبَ وإذا حاسبَ سألَ، فهمه الأول: ماذا قدمت الجامعات لنا؟ وهل ما قدمته لنا يساوي ما أنفق عليها؟
ويختلف موقع الجامعة من المجتمع في بلادنا عنه في الدول التي تحوي مجتمعاتها مؤسسات عدة للبحث والتطوير خارج الجامعات، بل إن بعض هذه المراكز الواقعة في المؤسسات الصناعية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية تملك إمكانات وكفايات بشرية تفوق الجامعات أحياناً، أما في مجتمعنا فإن الجامعة المفترض أن تكون هي قيادته الفكرية، ومخزونه العلمي فإذا اعتزلت مجتمعها فقد المجتمع عقله المفكر، وإرادته الواعية، وإمكاناته المخططة.
ومن هذا المنطلق يصعب أن ننظر إلى هذه التصورات الثلاثة السابقة لمهمة الجامعة على أنها اختيارات علينا أن ننحاز فكرياً وعملياً إلى أي منها، بل ينبغي أن نطرح القضايا الرئيسة التي نود التصدي لحلها، والإعداد لمواجهتها في المستقبل، ونلتمس في كل الصيغ المطروحة من التجربة الإنسانية وواقع ظروفنا ذلك التوازن الذكي الذي يحقق المسار الأمثل لتحقيقها.
والمسار الأمثل لجامعاتنا هو ذلك الذي ينطلق من واقعنا، ويراقب تطلعاتنا نحو مستقبل مشرق زاهر، تؤدي فيه الجامعات دوراً قيادياً بارزاً متميزاً: علماً، وثقافة، وعملاً ملتصقاً بالواقع الحياتي الذي يعايشه مجتمعنا؛ بحيث لا تحجبُ الجامعات نفسها في برج عاجي، منعزلة عن هموم المجتمع ومشكلاته بل إن المظنون أن تقود الجامعة حركة التغيير المنشود إلى الأفضل.
فإلى أي حد استطاعت جامعاتنا - وخاصة ذات الأقدمية منها - أن تخرج إلى حيز الدراسات العملية التي تخدم المجتمع؟ وإلى أي حد تمكنت قدرات الجامعات من توفير البرامج التي تعود على مجتمعنا بالخير والفائدة والنمو، حتى يسوّغ ذلك الإنفاق المتنامي عليها والمساند دائماً لها؟
ومع كل ما تحقق من تطوير كيفي في جامعاتنا، وزيادة في أعدادها وتخصصاتها فإن هذا الجانب - جانب الجامعات وخدمة المجتمع بل قيادته - لا يزال في حاجة إلى إعادة نظر في مدى فعالياته القائمة الآن؛ لتواكب المزيد المتجدد من التغيرات الاجتماعية المتلاحقة.
ومع كل هذه الجهود التي بذلت لوضع خطط علمية للتطور المنشود فإن هذه الخطط قد وضعت على الأرفف - في الغالب - دون أن تتخذ مرجعاً في كل تجديد أو اتساع.
ولتأذنوا لي بالقول: إن جامعاتنا مع ما حققته من تطور كميَّ وكيفي إلى درجة ملحوظة فإنه لا يزال أمامها تحديات كبيرة.. يأتي في مقدمتها:
أولاً: ضرورة إطلاق عقالها، والتحرر من القيود التي تكبل انطلاق العقول العلمية فيها، ومن تلك القيود:
- عدم تحررها من التبعية الإدارية لأية وزارة، فالمفترض أن تكون السلطة العليا فيها لمجلس أمناء يختارون بعناية، ولمدد معقولة.
- ويكون من ضمن مهماتهم اختيارهم رئيس الجامعة، وتحديد مدة عمله، ومخصصاته المالية، ولهم الحق في إعفائه حين يكون ذلك لازماً، وكذا اختيار القيادات الأخرى، بل وعليهم صياغة نظام مناسب لطبيعة الجامعة التي هم مؤتمنون عليها.
- ويكون الاعتماد المالي للجامعة في ميزانية الدولة السنوية مبلغاً مقطوعاً، يحدد أوجه الصرف فيه مجلس الأمناء؛ فليست وزارة المالية أو وزارة الخدمة المدنية أدرى ممن أؤتمنوا على الجامعة وتوجيهها.
إنه من اللافت للنظر أن مجلس التعليم العالي الحالي والمكون من وزراء ومديري الجامعات كافة يجتمعون مرات محدودة في العام الواحد، ويكون اجتماعهم قصيراً جداً، وتتخذ فيه قرارات اعتيادية إدارية، ولا تستحق أن يلتقى لها هؤلاء، مثل (تغيير اسم قسم علمي، أو تجديد خدمات من بلغوا سن التقاعد من أعضاء هيئة التدريس، أو الموافقة على ترشيح أحد أعضاء هيئة التدريس من قبل مدير الجامعة ليكون وكيلاً - دون عناء بحث أو تدقيق يستحقه هذا المنصب القيادي، وهكذا من قضايا إدارية صغيرة).
ثانياً: ليس من المقبول في العرف الجامعي العالمي أن يعامل أعضاء هيئة التدريس الجامعية معاملة واحدة بصرف النظر عن تخصصاتهم، والرأي عندي أن تكون معاملتهم معاملة مختلفة فيما بينهم، ليس بين الأقسام العلمية فحسب بل بين أعضاء هيئة التدريس في القسم الواحد، حتى وإن كانوا في مستوى علمي واحد.. إذ إن المعول عليه والواجب اتخاذه معياراً هو القدرات العلمية، والإنتاج، والابتكار الشخصي، والقدرة على تحقيق العملية التعليمية والبحثية كما يجب، وما لهذا الأستاذ من كفاءة، وسمعة علمية تميزه عن غيره، وإسهام واضح في الابتكار والتجديد والتطوير في مجال تخصصه..
وحين كنت أستاذاً زائراً في جامعة كالفورنيا (سانتا باربرا) وجدت فيها تفاوتاً كبيراً في المخصصات المالية لأعضاء هيئة التدريس.. كل حسب العقد الذي وقعته الجامعة معه، وقد يكونون في درجة علمية واحدة، وفي تخصص واحد، وهذا ليس اعتباطاً؛ إنما طبقاً لمعايير كثيرة في الجوانب العلمية وما يتصل بذلك كله، وهذا هو المعمول به في كل الكليات، والأقسام، وهكذا تسير الجامعات العالمية المعتبرة، دون امتعاض من واحد من أكاديميها على ذلك.
وينطبق هذا حتى على من يتسنمون مناصب قيادية في الجامعة، من رؤساء ونواب رؤساء، وعمداء للكليات، فهناك ما يسمى (لجنة البحث، والاختيار) والتي يخول لها أن تقترح الأسماء - ليس فقط من منسوبي الجامعة - وإنما أيضاً من خارجها - كما حدث الآن في اختيار القيادات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهم الذين يحددون مخصصاته المالية، والأدوار التي عليه أن يقوم بها.
إنه لمن العجيب جداً أن نجد لوائح تنفيذية تفصيلية تحكم الجامعات الحكومية كلها في بلادنا، مع أن التنوع مطلوب، ولا خير في أي قانون كثرت تفاصيله، وحرمت العاملين من الإبداع في عملهم بما لا يخالف الإطار العام.
ثالثاً: ضرورة التطوير للبرامج الدراسية، والمناهج العلمية في الجامعات بما يواكب التطور العلمي، وحاجات التنمية الحالية والمستقبلية.
إنه مما يحزن المرء أن يجد كثيراً من البرامج، والمناهج الدراسية هي كما هي منذ سنوات طويلة، ولست في حاجة إلى ذكر أمثلة لذلك الجمود.
رابعاً: لقد فرط كثير من جامعاتنا في حق اللغة العربية، فلم تعد هي لغة البحث والتعلم في كثير من المجالات؛ مع أن الأمم كلها في الحاضر والماضي تصر على التعليم في كل المراحل بلغتها الأم، مع عدم إغلاق الباب أمام اللغات الأخرى الأكثر شيوعاً بتعليمها لغة ثانية، كما أنها تترجم من كل اللغات الأجنبية الجديد والنافع من العلم إلى لغتها الأم.
لقد كان هذا هو شأننا في الماضي، فما الذي جرى علينا ؟!!
ولنتذكر قول الشاعر:
ما أنكرت أمم لسان جدودها
يوماً وسارت في طريق فلاح
خامساً: انخراط بعض جامعاتنا في الجعجعة الدعائية الزائفة بهرجة وظهوراً، والمفترض أن الجامعة مؤسسة وقورة يعرف الجميع قدرها وعملها. ومما تقوم به بعض الجامعات كثرة المؤتمرات، والندوات، وورش العمل لموضوعات لا تستحق كل هذا، وكل جامعات الدنيا المرموقة لا تقيم مؤتمراً ولا تعقد ندوة إلا في شأن علمي تخصصي ذي بال يستحق ذلك، وتتوسع به مدارك المشاركين فيه، ويقفون فيه على الجديد في موضوعه، وينظمه المتخصصون في مجاله، ولا تنشغل به إدارة الجامعة أو غير المتصلين به، ولا تتحمل الجامعة تكاليف إقامة المشاركين وسفر المدعووين؛ بل إنهم يدفعون للجامعة قيمة اشتراك تغطي نفقات الجامعة، بل تعتبر ضمن مواردها المالية.
فهلا تتأسى جامعاتنا بهذا الانضباط والرزانة العلمية؟!
سادساً: إن من التحديات التي تواجه كل جامعة من جامعاتنا هو أن تتميز كل جامعة بتخصص أو تخصصات معينة تبدع فيها، وتقبل الطالب من جميع أنحاء المملكة مما يتيح التمازج بين أبناء وطننا جميعاً، وكذا الخطط الدراسية ينبغي أن تتفق في الأصول ولكن تختلف في الفروع - أي تتفق في الأسس، وقد تتباين في الفروع لها. ولا يجوز أن تكون كل جامعة من جامعاتنا هي صورة طبق الأصل من الجامعات الأخرى في برامجها وتخصصاتها، وطريقة إدارتها وهيكلتها التنظيمية.
سابعاً: قصر قبول الطلاب في الجامعات على أعداد في كل تخصص طبقاً لحاجة خطط التنمية المستقبلية، ويحدد ذلك هيئة تسمى (هيئة التعليم العالي) مهمتها التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وتحديد أعداد القبول والتخصصات فيها. إني أخشى أن ينطبق على مجتمعنا يوماً المثل القائل (الكل ضباط وليس هناك صف ضباط ولا جنود). وهذا ما هو حادث في بعض بلداننا العربية.
ولست هنا ضد الحصول على أعلى الشهادات العلمية لكني ضد البطالة الناتجة عن هذه الأعداد المهولة من خريجي الجامعات الذين لا عمل لهم، وكما عبر عن ذلك أحد خبراء التنمية: (إن التعليم الجامعي في حالات كثيرة ما هو إلاّ إرجاء لتزايد أعداد من هم في خانة البطالة).
ثامناً: التخلص من الاندفاع الذي تعدى حدوده من بعض جامعاتنا في حرصها على أن تكون في أعلى التصنيفات الإلكترونية الخارجية مما أضعف اهتمامها بالتقدم الفعلي الملموس، وعمل أسباب التفوق الحقيقي الذي يحس به أبناء الجامعة ويشعر به المجتمع معهم.
ولقد تبين لي كيف أن بعض جامعاتنا تعاقدت مع بعض البارزين من علماء الخارج في بعض التخصصات نظير مبالغ طائلة تدفع لهم حتى تكون بهم في التصنيفات المتقدمة، دون أن يبذل هؤلاء العلماء جهداً علمياً حقيقياً ذا أثر إيجابي على العملية التعليمية والبحثية مما يحقق التفوق، وكذا الحال في هذه الاتفاقيات المتعددة مع جامعات في الخارج التي تنتهي بانتهاء التوقيع والإعلان عنه في الصحف.
إن المحك الرئيسي لكل تطور هو:
1) ما يتبين أثره إيجابياً على المتعلم، وتمكنه من التعمق في اختصاصه، مما يجعل التنافس بين مؤسسات العمل الأهلية والحكومية لاستقطاب خريجي الجامعة لحسن إعدادهم وتأهيلهم عملياً، وعلمياً بما يتفق ومتطلبات العمل أياً كانت صوره.
2) وما يصدر من الجامعات من بحوث تطبيقية تطور الإنتاج وتحسن في مستواه.
تاسعاً: العمل على استقطاب أعضاء هيئة التدريس المتميزين سواء كان سعوديين أو غير ذلك، والتخلص مما أصبح ظاهرة في بعض جامعاتنا الرئيسية حيث يتخرج فيها الطالب، وقد يعين معيداً، ثم يحصل على الماجستير من القسم نفسه، ثم يحصل على شهادة الدكتوراه في القسم نفسه، ويصبح زميلاً لأستاذه، وهذا خطأ يرجى تغيير مساره.. تجديدا للحياة العملية فيها، وتنوعاً لمصادر العطاء.
عاشراً: إن القرن الحالي هو قرن (المجتمع دائم التعلم) لأنه قرن ازدهار المعلومات والتحكم فيها، فلا سبيل إلى مجاراة الحياة فيه إلاّ بالعمل على أن يتاح لكل فرد على مدى رحلة حياته فرص التعلم الدائم، والتدريب المستمر على كل جديد، وفي الوقت الذي يُلائمه.
لذا.. فإنه يلزم أن تفتح الجامعة أبوابها لتيسير التدريب والتعليم للجميع، وليس بالضرورة للباحثين وحدهم عن الدرجات العلمية.
كما يجب أن يكون نظام التعليم عندنا مما يسمح بالمناوبة بين العمل وطلب العلم وتجديد المعارف فلا تضارب بين العمل وطلب العلم أبداً.
حادي عشر: إن الذي ينبغي على الجامعة البحث عنه وكيفية مواجهته هو اقتحام النفس، ومراجعة الذات من قبل الجامعة؛ بوصفها مؤسسة تقود في مجتمعها فكر التغيير، واتجاهه، وأساليبه؛ فالجامعة إذا عرفت نفسها وجب عليها أن تعرف موقعها.
وبداية هذا الطريق هو إيمان الجامعة العميق بقدرتها على التقويم الذاتي لمسارها، وكفايتها، وفاعليتها.
والتقويم الذاتي الذي يشترك فيه كل العاملين فيها، والمستفيدين منها، والمعنيين والمهتمين بها والذي يمثل وقفة شجاعة مع النفس لمراجعة المسار، والأداء، والإمكانات، والنتائج، في ضوء أهداف واقعية تصل إليها الجامعة ثمرة حوار متسع يشارك فيه كل المعنيين، والمختصين، والمهتمين.
ويستخدم التقويم الذاتي أدوات علمية، ويستطلع رأي العاملين، والطلاب والآباء، والخريجين، والجهات التي يعملون بها، ويشمل التقويم منظومة الجامعة في تكاملها، وأهدافها، وبرامجها، ومناهجها، والكتب المقررة، والمراجع وهيئة التدريس، وأسلوب تنظيمها وإدارتها، والمكتبة وإمكاناتها، والمبنى وتسهيلاته وورشاته، ومختبراته وبرامج خدمة المجتمع، والمستفيدين منها، وفاعليتها والأبحاث وتطويرها، وصلتها ببيئتها، والخريجين، ورأي سوق العمل فيهم وبرامج تقويم فاعلية الجامعة في مجتمعها.
والتقويم يؤدي إلى الربط الجيد بين خطط التنمية وبين فروع المعرفة ويشير إلى المخرجات المطلوبة كمًّا وكيفًا، ويستشرف المستقبل للوفاء بالاحتياجات المطلوبة للوطن من القوى البشرية المدربة والمؤهلة تأهيلاً ملائماً وعالياً، ومن البحوث التطبيقية الذي يتبين أثرها في مؤسسات الإنتاج الوطني وجودة المنتج، وتجدده، وتنوعه.
ويتم التقويم الذاتي في ضوء معايير ومستويات تشتق من الأهداف، والممارسات العالمية مع تطويعها بالحوار والممارسة للتجربة، والظروف العربية الخاصة بالجامعة، كما يشمل التقويم الذاتي نوعاً من التقويم التعاوني من خلال زيارات لمواقع الأداء، وحوارات ولقاءات مع زملاء أنداد من جامعات أخرى.
إن ممارسة من هذا القبيل، تجعل الجامعات مثالاً ينبغي أن تحتذيه كل مؤسسة أخرى في المجتمع في المراجعة الشاملة، والتقويم المستمر سعياً للتطوير والتقدم.
ويتطلب هذا عدم الاعتماد على جهات اعتماد خارجية؛ إذ إن معاييرها مناسبة لتلك الجهات الخارجية، وقد لا تكون كلها هي الأنسب لواقعنا، وهذا لا يعني الاستغناء عن تجاربهم واقتباس المفيد منها، وقد جربت جامعة الملك سعود (الرياض سابقاً) التقويم الذاتي الذي نفذته مقتبسة المناسب من خطواته وإجراءاته، وتطبيقها دون الاعتماد الكلي على الجانب الأجنبي له.
ثاني عشر: إن ما ينذز به المستقبل من انحسار في الموارد مع تفجر في التطلعات، وتوسع منتظر ضخم في الإقبال على التعليم، وهي بلا أدنى شك معادلة صعبة قد يكون السبيل إلى مواجهتها التحرك على أكثر من محور، وفي مقدمة ذلك تحديث الإدارة الجامعية، والأخذ بالتقنيات الجديدة في الاستخدام الأمثل للموارد والطاقات والقوى البشرية، ولكن جوهر الحل يكمن في التوجه إلى المجتمع والقادرين فيه لنعيد تاريخاً كريماً من الإنفاق على العلم وأهله، وتخصيص الأوقاف لهذا الغرض.
وقد بدأت في مملكتنا - بحمد الله - خطوات مباركة من الإنفاق الخيري في مجال التعليم، وعلى الجامعة بمساعدة أبنائها أن تعمق هذا الاتجاه في المجتمع؛ ليتحمل جانباً من الإنفاق على أوجه النشاط، ومجالات البحث مما يخفف الضغط على الحكومة، بأن يكون للجامعة طريقة مناسبة لتدبير أموالها واستثمارها.
ثالث عشر: تطوير نظام المعلومات المتقدم، الذي يخدم الجامعة، فنحن نعيش على ما وصفه لانكستر بـ:(مجتمع بلا أوراق) يقوم على أنظمة آلية للمعلومات؛ إذ تستطيع المكتبات والملفات الآلية للمعلومات أن تجعل في متناول الفرد الموسوعات والمعاجم، والأدلة والفهارس مخزونة آلياً؛ بحيث يستطيع أن يسترجعها بجهاز خاص يحمله معه.
إن جامعاتنا مدعوة إلى أن تضاعف من جهودها في الولوج في هذا العالم الجديد، وأن تعد القوى البشرية القادرة على مواكبته، والمجتمع القادر على الانتفاع به، والعمل على إيجاد تخصصات جديدة جيدة يحتاج إليها المجتمع، وقد نضطر بذلك إلى تقليص تخصصات أخرى قديمة، لم يعد المجتمع في حاجة إلى استمرارها.
وخلاصة القول في هذا:
أن الجامعة هي المسؤولة عن إعداد من يقومون بتطوير المجتمع، والنهضة به، فهم المعول عليهم، وليست الثروات الطبيعية، والمحك في هذا ألا نجد سعودياً جامعياً عاطلاً عن العمل، وأن نجد كذلك أن التقدم في منشآتنا الإنتاجية صناعية وزراعية هي نتائج الأبحاث التي توصلت إليها جامعاتنا.
وأستميحكم عذراً في أن أذكر على عجل بعض الأمور التي تطرقت لبعضها بالتفصيل إذ إن المستقبل يفرض على الجامعات أن تركز من أجل التغلب علي صعاب كثيرة، وأن تواجه تحديات كبيرة، وأن تتبع أساليب كفيلة بمواجهة هذه التحديات.
ومن المهم أن تكون هذه الأساليب والإجراءات تتبناها جامعاتنا لتحقق ما تصبو إليه الآن، وفي المستقبل وهي:
1) التركيز على سمات الجامعة، وما تعنيه، وما يميزها عن مؤسسات التعليم العالي الأخرى بحيث تكون مثالاً في فاعليتها الإدارية، مع وضوح في الأهداف، ومرونة في الأداء، وتكون مشاركة في قيادة التغيير إلى الأفضل في المجتمع.
2) القدرة على أن تتمكن الجامعة من استيعاب الطلاب الراغبين في الالتحاق بها طبقاً لقدراتهم، وميولهم، واستعداداتهم، وحاجات خطط التنمية لهم في المستقبل.
3) تحديث المناهج، والكتب، والخطط الدراسية، والمعامل والمختبرات كذلك، إذ إن المعارف متجددة ومتطورة، وما يصلح لزمان قد لا يصلح لغيره.
4) المواءمة بين خطط التنمية وبين فروع المعرفة في المجتمع التي توجد فيه كمّاً وكيفاً، بحيث يتخرج العدد الكافي في كل تخصص، ولا يتخرج فائض في تخصصات أخرى، وتتوفر الممارسة العملية التي تتواءم مع الدراسة النظرية.
5) المراجعة المستمرة لخطط الجامعة، في إيجاد تخصصات جديدة يحتاج لها المجتمع، وقد نضطر إلى تقليص تخصصات قديمة لم يعد المجتمع بحاجة إليها.
6) تعريب التعليم الجامعي، في كل التخصصات ومضاعفة الجهود التي ينبغي أن تبذل في هذا الصدد.
7) الاستكشاف المبكر لميول الطلاب، واستعداداتهم، وتوجيههم نحو ما يتناسب وقدراتهم، وتكثيف برامج التوجيه المهني، والإرشاد العلمي، مع تحديد للمقاييس النفسية واختبارات القدرات.
8) القيام بالدور الفاعل النشط في البحث العلمي، والتطور التقني، بحيث تكون الجامعة قادرة على إقناع المجتمع بكامل مؤسساته بذلك؛ وبحيث تصبح الجامعة بيت خبرة واستشارة موثوقة.
9) أن تكيف الجامعة نفسها كي تكون مستقلة مالياً، ولديها الكفاية بما تقدمه من خدمات لغيرها، وأن تنشط في مجال الأوقاف وغيرها للإنفاق المستقبلي على برامجها، وأن تكون لديها طريقة مناسبة لتدبير أموالها واستثمارها.
10) الانفتاح من الجامعة على شقيقاتها الجامعات العربية بمزيد من التنسيق، والانفتاح على العالم من حيث تعاونها مع الجامعات المرموقة، وأن تحتل مكانة متقدمة بين الجامعات العالمية.
11) إحكام الربط بين المؤسسات الإنتاجية والجامعات، بوصفها مؤسسات تدريبية، وذلك عن طريق تدريب الطلاب في تلك المؤسسات الإنتاجية، وتمكين الباحثين في الجامعات من الوقوف على ما لدى تلك المؤسسات.
12) تكثيف البرامج التدريبية، والتحديث، والتدريب على رأس العمل، ومواصلة التعليم والثقافة؛ أخذاً بمبدأ التعليم المستمر الذي أيقن العالم كله بأهميته.
إن المستقبل الذي نتحدث عنه، ونواجه به التحديات قد بدأ بالأمس.. لأن ما قمنا به (ما تركناه) قد ترك بصماته على صورة الغد.
علينا أن نفعل للمستقبل أكثر مما نتكلم عنه..
والله الموفق،،،