لطالما تخيلت الوطن سفينة تعبر بمن فيها غياهب الزمن بحثا عن المرفأ الأكثر استقرارا. الوصول إليه هدف يحققه فقط الربان الأكثر خبرة باللجج والأخلص في بحث بوصلته عن الأفضل والأسلم للركاب.
رحلتنا مع خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز ابتدأت به وليا للعهد يدرس خارطة الوطن ومعالم السفينة.. وله في قيادتها رسميا سبع سنوات جميلة لن أستطيع عد منجزاتها كلها في مساحة المقال.
أهنئنا جميعا, وعلى رأسنا ربان سفينة الوطن صاحب البيعة, بما أنجزنا خلالها وما أتوقعه قادما من ثمار رؤيته المستقبلية. وأدعو له ولنا بقوة العزم والثبات للإنجاز بعد أن اتضحت الرؤية. وأطالب محبيه ومعاونيه ونصحائه بالإخلاص في دعم وتنفيذ مرئياته البناءة.
ربما كانت سفينة الوطن تتخبط في ضبابية المرحلة الزمنية السابقة المختضمة بالأحداث داخليا وفي الجوار القريب والبعيد, مما جعله طقسا غير مستقر وقابلا للتكهنات. الحمد لله خلال انفراجات العقد الأخير ارتفع عنا بعض الضباب واتضحت الرؤية شيئا ما, لنبدأ الخروج من أجواء التضليل المقصود والتأثيرات السلبية لمحاولة تسيير دفة الوطن ومصيره من جهات خارجية وداخلية أنانية الأهداف وشرسة الأسلوب.
وقد نتأثر بحالة الطقس في شواطئ الآخرين.. وتبقى موانئ جزيرتنا هي الأفضل كمرفأ أمان.
سبع سنوات من ترشيد العمل والتركيز على البناء المستقبلي القائم على مواكبة العالم والانفتاح والحوار والتعايش القائم على احترام الآخر وتثبيت وطائد الأمن وتعويض ما فاتنا من الزمن, المتقلقل في صراع التوجهات والهويات إنجاز يسعدني ويستحق أن أفخر به وأن أدعو الله بالمزيد من عطاءاته، وأن يقوينا للقيام بدورنا في استثمارها لمستقبل الجيل القادم. شباب من الجنسين يشكلون أغلبية المواطنين.
توجه الملك ركز على إعدادهم للقيام بدورهم، ونحن بإذن الله في الطريق إلى تحقيق الهدف السامي.
فعل كثيرا ليحقق بعض أحلام لمواطن قبل أن يعلن الجيران ربيع أحلامهم. وما زلنا نعيش نقلة كبيرة في عهده في كافة المجالات لا سيما تفعيل الحوار وتأكيد التعايش وتوضيح دور المرأة وتمكينها من القيام به.
ويهمني بالذات دور المرأة..
وفعلا ابتدأنا منذ كان وليا للعهد مرحلة مهمة لتحويل الشعارات إلى فعل مرتبط بوجهة واضحة، وهي تطبيق الالتزام بلب التعليمات الشرعية وجوهرها في ما يختص بدور المرأة, وليس الانصياع لمزايدات الفئات التي جعلت شؤون المرأة ودورها الاجتماعي معركة لتسجيل نقاط حول من يسيطر على وجهة المجتمع، ويفرض مرئياته عليه. وقد عانت المرأة كثيرا من هذا الشد والجذب وهي مهمشة ومحرومة من المشاركة في تحديد مسار مصيرها.
قرارات تعيين المرأة في مناصب مهمة في الوزارات ومجالس الإدارة واللجان بالغرف التجارية والمجالس البلدية ومجلس الشورى بإذن الله, وفتح أبواب العمل لها بحضورفاعل, جاءت لتعيد التوازن في حال المجتمع الى الوضع الطبيعي, وترفع إمكانات مساهمة المرأة الى فرصة العطاء سواء من حيث الإنجاز أو الإدلاء بما تراه من آراء.
أرى ما تم تكليفا وتشريفا؛ وهو فوق ذلك دليل سعة أفق وحكمة صانع القرار وثقته بالمواطن رجلا أو امرأة, وفهمه للفرق الشاسع بين التعاليم المنزلة التي تصلح لكل زمان ومكان دون تحجر, وبين ممارسات العرف الاجتماعي الذي اختزل وجود المرأة في جانب أحادي وحصرها في دورها الجسدي مضافة للرجل. منتهى التناقض أن نتذكر تفاصيل منجزات السيدة خديجة والسيدة عائشة والسيدة فاطمة والسيدة سكينة رضي الله عنهن، ثم نصعب الاقتداء بهن اليوم في عالم المال والعمل والثقافة حين نحكم على المرأة بانفصالية الجدران الفعلية والافتراضية.
كم هو محزن أن نسمع أن أبا عضل بناته أوزوجها طفلة بثريِّ في سن جدها، أو حبسها خمسة عشر عاما فوق السطوح أو منعها من التعليم أو العمل أو سلبها راتبها. ليست هذه تعليمات الدين. وجميل أن يفتح الباب الآن لتنظيم وضع المرأة رسميا: قضائيا وأسريا ومجتمعيا ووظيفيا.
بارك الله في حكمتك وعدلك وسعة أفقك يا أبا متعب به تظل السفينة طافية وسليمة.