أشرت في المقال السابق إلى أهمية مراجعة نظام مجلس التعليم العالي والجامعات الذي صدر عام 1414هـ - 1994م عند مناقشتي إلى فكرة تنفيذ مشروع الملك عبد الله للمدن الجامعية للطالبات وذلك بعد الأزمة التي نشأت في جامعة الملك خالد وامتدت إلى بعض الجامعات البعيدة جغرافياً والمختلفة أكاديمياً..
هذا يؤكّد أن هناك قضايا مشتركة في أزمة الجامعات؛ وهي نقص مباني وتجهيزات كليات البنات والحاجة لإنشاء مدن جامعية للطالبات. وهنا لا بد من تحديد المسؤول عن الإخفاقات هل هي الجامعات أم وزارة التعليم العالي, ففي الأحكام العامة من نظام مجلس التعليم العالي والجامعات المادة الثانية تنص على: «تتمتع كل جامعة بشخصية معنوية ذات ذمة مالية تعطيها حق التملّك والتصرّف والتقاضي». انتهى.. أي أن هذه المادة تنص على الاستقلالية المالية التامة. في حين تنص المادة الثالثة عشرة من نفس النظام على: «يرأس وزير التعليم العالي مجلس كل جامعة وهو المسؤول عن مراقبة تنفيذ سياسية الدولة التعليمة في مجال التعليم الجامعي, ومراقبة تطبيق هذا النظام ولوائحه في الجامعات الموجودة حالياً أو التي تنشأ فيما بعد وترتبط به الجامعات التي يسري عليها هذا النظام وتخضع كل جامعة لإشرافه». انتهى.. وهي بشكل أو آخر تجعل من معالي وزير التعليم العالي مديراً لكل جامعة, لأنه يرأس مجلس كل جامعة, ومسؤول عن مراقبة تنفيذ السياسيات, ومراقب لتطبيق النظام, وترتبط به الجامعات, وتخضع كل جامعة لإشرافه. وهذا تقييد للجامعات من الناحية الإدارية لذا لا يمكن أن نطلق على الجامعات بأنها مستقلة إدارياً وهو ما يطالب به بعض مديري الجامعات ممن يصنفون بالجامعات القوية الاستقلالية التامة عن التعليم العالي, وأن لا تكون تحت مظلة وزارة التعليم العالي والمطالبة بتفعيل المجلس الأعلى للتعليم برئاسة الملك - حفظه الله- ويأتي دور وزارة التعليم العالي من خلال نائب الرئيس معالي وزير التعليم العالي وهذا المجلس يضم جميع الجهات التعليمية: وزارة التعليم العالي, ووزارة التربية والتعليم, والجامعات, ومؤسسة التعليم الفني.
أما لماذا إعادة صياغة نظام مجلس التعليم العالي الحالي فلأنه دخل في التقادم, وطرأت أحداثاً سياسية في الوطن العربي, وتطورات تقنية التعليم, والتوسع بالجامعات السعودية, وضرورة التصنيف الداخلي للجامعات تصنيفاً من الناحية الأكاديمية والنوعية تشمل الجودة والاعتماد الأكاديمي, وأيضاً ذمة الجامعات المالية واستثماراتها وأوقافها, وتعاونها الدولي وشركاتها مع القطاع الخاص الداخلي وتعاونها مع المؤسسات العلمية العالمية. وإن كان النظام الحالي قد تم تحديثه بقرارات جديدة لكن تبقى روح وفلسفة النظام ومواكبته للطروحات العالمية الجديدة التي جعلت من كل جامعة مؤسسة علمية مستقلة ترتبط بالدولة من خلال وزارة أو مجالس تشرف عليها وتنظّمها وتشرّع لها الأنظمة والقوانين مع المحافظة على الاستقلالية المالية والإدارية.