صلاح الدين الزبير *
«لا توجد قوة في الأرض قادرة على أن توقف فكرة حان وقتها».
(الروائي الفرنسي فكتور هوغو)
طال أمد الثورة السورية وكبر معه اليقين في التحرر القريب من كماشة النظام الأسدي «المحتل» والأكثر دموية، رغم تخاذل ما يصطلح عليه «بالأسرة الدولية»، وضبابية مسار المعارضة السورية بالخارج، وتردد الموقف العربي، باستثناء دعوات مجلس التعاون الخليجي لتسليح الجيش السوري الحر، ناهيك عن الدعم اللوجيستي اللامحدود لإيران للنظام الأسدي عتادا وذخيرة وفيالق من قناصة الحرس الثوري كما جاء في العديد من القصاصات الإخبارية للجيش الحر، وصلت إلى حد إلقاء القبض على خمسة منهم أثناء بعض العمليات.
أمام تعقد هذا الوضع الذي يبدو ظاهريا في صالح النظام الأسدي، غير أن ما تخفيه الأيام المقبلة يؤكد أنه نظام إلى زوال بقوة الإرادة الشعبية، وبأبسط قراءة ميدانية لدروس التاريخ، ولمجريات المعارك اليومية على الأرض.
فالصمود الظاهري للنظام الأسدي يتجلى في النقاط التي تُحسب لصالحه والبادية في موافقته الأخيرة على خطة عنان في نقاطها الست التي ترتكز على سحب الأسلحة الثقيلة والقوات من التجمعات السكنية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء وحرية الحركة للصحفيين والسماح بدخولهم للبلاد، مع عدم طرح فكرة تنحي الأسد عن السلطة.
ولعل هذه النقاط على أهميتها ـ باستثناء استبعاد مطلب التنحي لنظام الأسد الذي يعد ضرورة ملحة ـ تبقى مستبعدة التحقق على أرض الواقع، لأن تجربة المراقبين العرب برئاسة محمد الدابي أبانت على أنها لا تعدو أن تكون إلا فرصة أخرى للنظام من أجل استجماع أنفاسه وتصعيد هجماته الدموية وترتيب بيته الداخلي الذي اهتز بقوة جراء موجة الانشقاقات اليومية في مجموع التراب السوري من كافة الطوائف لمتابعة مسيرة التقتيل الجماعي من جهة. وهي كذلك بوابة لترتيب العلاقات الدبلوماسية، وإظهار نوع من الاستجابة لضغوط الأمم المتحدة حتى لا تكون القطيعة بالمرة وفق رؤية الحليفين الروسي والصيني من جهة آخرى.
لكن مراوغة الاستجابة لخطة عنان يكذبها الواقع الميداني الذي حاول بشار الأسد تجاوزه بزيارته لحي بابا عمرو لتفقد معالم جريمته النكراء التي أَرَّختها بالحي جثت النساء والأطفال المذبوحة بالسكاكين وحالات الاغتصاب والبيوت المدمرة بالكامل، ناهيك عن تدمير قلعة المضيق التاريخية على رؤوس المدنيين الذين احتموا بها، إضافة للتقتيل الجماعي في إدلب ومحاولة محو حمص محضن الثورة ورمزها من على الخريطة السورية، وإغراق حماة ودرعا وريف دمشق في بركة الدم الجماعي.
ولم تقف الجرائم عند هذا الحد، بل تجاوزته من خلال اتخاذ المدنيين دروعا بشرية تصل لحد وضع الأطفال فوق الدبابات لكيلا يستهدفها كتائب الجيش الحر.
يحاول المنتظم الدولي عبثا إعطاء الفرصة للنظام الأسدي الذي أغرقت جرائمه بلاد الشام في حمام من الدم الذي روى الأرض والإنسان، وأعاد كتابة التاريخ حول مفهوم الإرادة الحقيقية للشعوب ومدى حاكميتها التي لا يروعها البطش في طلبها للحياة الكريمة والانعتاق من الظلم رغم الظروف الدولية التي ترى إبادة شعب عن بكرة أبيه لا لشيء إلا لأنه أراد الحرية، وهاهو يؤدي ثمنها لوحده، بشكل يفرض على المنظومة الدولية إعادة النظر في مفهوم الحماية الدولية لحقوق الإنسان، والآليات المتاحة للدفاع عنها عندما تنتهك، وإن كان الكل يعي بأن المنتظم الدولي يكيل بمكيالين.
أمام كل هذا، يستبشر السوريون خيرا وهم يرون بأم أعينهم، ويتناقلون الأخبار فيما بينهم لأنهم هم الأدرى بما يحدث على الأرض، وبعيدا عن تقاطب وكالات صناعة الأخبار والفضائيات والتعتيم الإعلامي الرسمي للنظام، يعلمون بأن كتائب الجيش السوري الحر أضحت تتحكم في مجريات المعارك الميدانية بتعداد حوالي 120 ألف منشق حسب مواقع للجيش السوري الحر، وذلك من خلال سلسلة من العمليات النوعية التي ضربت إحداها في الأيام الماضية عمق دمشق بحي المزة استهدفت أحد معاقل أحد الضباط الكبار، وكذا موجة الانشقاقات اليومية التي وصلت إحداها في ظرف 24 ساعة (ليوم 28 مارس أذار فقط) إلى انشقاق 16 ضابطا عن الجيش الأسدي من بينهم ثلاث ضباط كبار برتبة عميد وهم العميد الركن عدنان محمد الأحمد، رئيس فرع الاستطلاع المنطقة الوسطى، والعميد المظلي المغوار حسين محمد، كلية قيادة المنطقة الشمالية، والعميد الركن زياد فهد، قيادة الأركان العليا.
وفي ظل الإرادة العالية، وبعتاد أغلبه مغتنم من مداهمة الحواجز الأمنية والسلاح الخاص بالمنشقين وبعض الصفقات مع تجار الحرب في الجيش الأسدي، ناهيك عن التهريب الممنهج والمنظم من طرف الجيش الحر، يمكننا الحديث على أن الجزء الأبرز من معركة الداخل في طريقه للحسم، علما أن هناك خطوات فعلية في الأيام المقبلة لتوحيد فعلي كافة الكتائب تحت قيادة موحدة لها عدة فروع على مجموع التراب السوري بعد تأهيل التنسيق والتسليح مع المجلس الوطني الذي أضحى ممثلا لكافة اطياف المعارضة.
خيار الحسم بالسلاح لم يكن أبدا مطلبا للشعب السوري، لكن عندما تستباح الديار وتقترف الجرائم البشعة في حق الشعب السوري، حينها يكون السكوت هوانا ومذلة.. ما بعدها مذلة.
* كاتب وباحث مغربي