على خلاف ما اعتاده أسود الغابة من اتخاذهم الهدهد رسولاً لهم يحمل رسائلهم إلى ساكني الغابة.. فإن الأسد الشاب الذي سيطر على الأمور بعد أن أزاح الأسد العجوز من مكانه اتخذ من الغراب رسولاً وصديقاً.. وناصحاً..
عجب الكثير من سكان الغابة لهذا الاختيار.. ولكن الغراب استطاع بدهائه الفائق أن يصبح كاتماً للأسرار.. ومصدراً للأخبار.. يخطب جميع سكان الغابة وده.. ويتقربون منه علهم يحظون بمعرفة خبايا ما يحدث في غابتهم التي يعيشون فيها..
ولكن بعد رحيل الأسد المفاجئ بعد مرض غامض لم يمهله طويلاً.. فإن أحد من الأسود التي تعاقبت على الغابة لم يعهد للغراب بذات المهمة وأوكلوها لسواه.. لكن الغراب استمر متربعاً على شجرته الأثيرة في طرف الغابة الأقصى.. يتقرب منه الجميع كما اعتادوا.. يستمعون منه الرأي ويطلبونه المشورة.. كان حديثه منصباً على ذكريات الماضي.. يعيدها ويزيد في تفاصيلها بما تجود عليه قريحته.. حتى صارت رواياته تحوي من الخيال أكثر كثيراً مما تحويه من واقع.. كانت سعادته ببقاء مكانته في الغابة تخفى خلفها حنيناً إلى ماض وأيام خوالٍ مضت.. وكان نقده المستمر لأسود الغابة هو ما يدفع الكثيرين للالتفاف حوله..
تغير سكان الغابة.. جاء من جاء.. وذهب من ذهب.. وما عاد أحد يذكر الغراب إلا كما تذكر الأساطير.. وظل حلمه قابعاً في رأسه يردده كل يوم للأشجار والسحاب.. يستعيد معهم ذكريات ماض ولى.., لن يعود.
هشام السحار