أنا شاب حصلت على وظيفة في إحدى المدن الكبرى وأسكن لوحدي ومرتاح في ذلك الوضع علماً أنني اجتماعي ولله الحمد ولكن يوجد بعض الأشخاص عندما أكون معهم في مكان معين سواء في العمل أو خارج العمل أحس بأني (مرتبك) وأن تصرفاتي محسوبة أمامهم مما يجعلني متوتراً، علماً أنني حينما أكون مع أحدهم على حدة أتصرف بتلقائية جداً، ولكن عندما يجتمعون مع بعضهم وأكون معهم يرتابني بعض التوتر علماً أنه حصل في السابق مواقف محرجة لي معهم يعني (من أسلوبهم يبدؤون بالتعليق عليّ على سبيل المزاح) وأنا لا أتقبل هذا الشيء منهم ويبدو علي التوتر حينها، فكلما اجتمعنا بعد ذلك أخشى من تكرار ذلك الموقف السيئ، فأنا لا أحب تصرفاتهم تلك ومع ذلك أسايرهم، أنقذني من العذاب الذي أعيشه!
ولك سائلي الفاضل الرد:
من كلماتك يتضح أنك صاحب شخصية رقيقة عاطفية تحمل الكثير من الأخلاقيات والمبادئ والقيم الرفيعة وهذا لاشك مؤشر خير وإشارة تميز وبالنسبة لمشكلتك فإليك ما أراه:
يقول ابن المقفع: (البس للناس لباسين، لباس انقباض واحتجاز تلبسه للعامة فلا يلقونك إلا متحفظاً متحرزاً مستعداً، ولباس انبساط واستئناس تلبسه للخاصة الثقات من أصدقائك فتلقاهم بذات صدرك وتفضي إليهم بمصون حديثك وتضع عنك مؤونة الحذر والتحفظ)
والصنف الأول يا صديقي ينطبق على أغلب من تتعامل معه..
وأراك قد ألزمت نفسك بما لا يلزمك،فمن قال لك إنك مجبر على أن تصادق كل من حولك وأنت ترتاح لكل الناس وأنت تأنس بقربهم؟ من قال لك إنك يجب أن تستسيغ الكل وتقبل الكل وترضي الكل وتجامل الكل!
يبدو أنك تعيش في صراع رهيب مع نفسك!
فأنت لا تستسيغ هؤلاء الأصدقاء! وهناك مد داخلي يصور لك أن عدم اندماجك معهم يجعلك تظهر بمظهر الشخص الفاشل..
أما سمعت بحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم: (إن الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف)؟
فلا يقلقك عدم توافقك مع جميع الناس فأنت لم تجاوز طبيعتك البشرية وهذا لا يعني مناصبتهم العداء أبداً، وكل ما في الأمر تباين في الاهتمامات والطباع لا أكثر تحتاج أن تكون معه أكثر رسمية مع تلك الشريحة.
إذن ليس هناك ما يلزمك بأن تقبل كل كلام أو تصرفات من حولك أو أن تضحك لكل نكتة تلقى! و إذا كنت ترى أن هؤلاء الزملاء لا يناسبونك فلماذا تجهد نفسك وتضغط عليها بالجلوس معهم، انسَ المواقف القديمة واطوِ الملفات السابقة ولا تتكلف حال جلوسك معهم، فهم ما جنحوا إلى التعليق عليك إلا بعد ما لاحظوا توترك وارتباكك وهذا ما أغراهم أن يرفعوا من مستوى المزاح معك، وهذا لا يعني سوء النية أو خبث السريرة بل تصرفات شباب يغلب عليها طابع التهوّر واستجلاب المتعة الحاضرة فقط.وإذا كان حديثهم يتجاوز الحدود المسموحة فلا ثمّة بديل عن توضيح الأمور لهم ومصارحتهم، تقول الدكتورة جين آن كريغ: (الكل يفوز حين تكون الحدود واضحة، فإذا وضعت حدوداً جلية واضحة اتقيت سلوك الآخرين المؤذي، عليك أن تبين للجميع ما هو مقبول وما هو غير مقبول عندك وما يعجبك ومالا يعجبك).
الحياة قصيرة يا صاحبي فلماذا نقصّرها أكثر ونشقي أنفسنا بأنفسنا، ضع قائمة بكل من حولك ثم اعمد إلى تقييمهم وصنفهم إلى ثلاث مستويات، المستوى الأول وهم خاصتك ومن ترتاح وتأنس بقربهم ويفترض أنهم من أهل الصلاح والأخلاق العالية، وهؤلاء عض عليهم بالنواجذ ولا تفارقهم، ومستوى ثانٍ لاشرّ منهم ولا مضايقات ولكن ليس ثمة حبال تربطك معهم، وهؤلاء لا تغب عنهم كثيراً، والمستوى الثالث وهم الذين تحس معهم بوحشة ومسافات فاكتفِ بالأوقات التي تفرضها عليك ظروف العمل مع تحفظ في التعامل.
أخي الحبيب إن ما تحتاجه ابتداء وحتى تستقيم أمورك أن تقبل نفسك وأن تعزّز إحساسك بقيمتك الذاتية وأنك شخص تستحق أن تعيش سعيداً وليس ثمّة قوّة تفرض عليك أيّ واقع لا تريده.. وفقك الله ويسر أمرك.
شعاع: لا تسمح لنفسك بالثورة من أجل التوافه، وتذكر أن الحياة أقصر من أن نقصّرها