قال الراوي: ودخلت سنة 1424 للهجرة النبوية المشرفة وارتفعت أسعار القطران ويسمونه «النفط أو البترول» في لهجتهم الدارجة. وتكالب عليهم الفرنجة يريدون نهب ثروات القطران فوجدوا في سوق الجفرة خير منزل وأسهل موطأ. ومرت ثماني سنوات وقد كثرت الفوضى في سوق معاملات المسلمين المالية. وفُرضت الإتاوات على الشركات فإما أن يدفعوا مليوني ريال لبعض هذه الهيئات مقابل شهادة تزكية في آخر السنة المالية بأن حساباتهم على الشريعة الإسلامية، وإما يُصنفون بعدم النقاء. واُستُخف بدين المسلمين وعقولهم، فطُبعت الكتب في فنون معاملات الجفرة، وقامت المعاهد وانتشرت الندوات، وحمي النقاش فيما يجوز وما لا يجوز من عمليات التطهير والتنقية ومن عربون مستقصر وآخر ليس بذاك، من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان. وتراهم يختلفون في تفصيلات ويتجادلون، ويتصارعون، وكل ذلك يحدث في عالم افتراضي لا حقيقة له، حتى التبس الأمر على العقلاء وظنوا أن هناك حقيقة لبعض ما يدور. فكان حال عقلاء القوم مع أقاصيص القوم، أشبه ما تكون بحال الجيش الذي انصرف عن عدوه لسماعه عجوزا تتخيل معركة وهي تُصرف ماء أصاب خيمتها، فظن قادة الجيش الغازي أن هناك شيئا عندهم، وما هو إلا عالم افتراضي كانت عجوزٌ مخرفة تعيشه.
وكانت هناك جهات مسئولة على الإشراف والتنظيم والمراقبة، ولا تأخذها في الله لومة لائم في إلزام الإفصاح عن كل مسكوت عنه فيما يتعلق بأجر أو هبة أو غيره، مما صغر منه أو كبر، يصرف من أموال الشركات العامة والبنوك، إلا ما تدفعه البنوك من أموال وهبات وأجور لمستشاري الهيئات الشرعية، أو ما تدفعه الشركات من ملايين مقابل الحصول على شهادات التطهير.
قال الراوي: وحالهم حال عجيبة في رضاهم على سرية أجور مستشاري هذه الهيئات وعدم الإفصاح عنها، وسماحهم بتصنيف الشركات في النقاء على قدر ما يدفعون من ملايين لهؤلاء المستشارين مقابل شهادات التطهير.
قال الراوي: فلحق بي فزع شديد ورعب عظيم، الله به عليم. فعدت إلى قرني السادس الميلادي، وكتمت الأمر عن شيخ الإسلام بن تيمية لكي لا يصيبه هم وغم، فمشيخة الجفرة لا ينفكون عنه تدليسًا ولأقواله تحريفًا ليعفوا البنوك من زكاة المرابحات الوهمية، وليستحلوا الحيل، وليفرضوا الإتاوات. فلمخالطة أهل الكيمياء في زماننا، ممن كانوا يستحفون بعقول الناس ويوهمونهم بصناعة الذهب، لأهون ذنبًا ممن حرف الدين وتلاعب به ومن فرض الإتاوات في عالم افتراضي لا وجود له. ولأهل الكيمياء أقل جرمًا في غشهم وأرحم وأرق، فهم لا يُصنفون الناس ولا يتلبسون بالدين ولا يجبرون الضعفاء على بضاعتهم المغشوشة.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem