أكثر من تسع سنوات مرت صعبة على الأسرة الكريمة آل سعود وهم يعيشون في الكويت لدى شيوخها من آل صباح الذين أفسحوا لهم من ديارهم وهيأوا لهم من أسباب الراحة على قدر طاقتهم وإمكاناتهم ولكن أنى للنفوس الأبية الكبيرة أن ترضى بالحياة بهذا المنهج وقد كانت هذه الأسرة على رأس الحكم في بلادها الغالية.
وفي يوم قد طفح الكيل ولم يعد للصبر متسع دعا عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود الموجودين في الكويت إلى اجتماع فاجتمع لديه أخوه محمد وعبد العزيز بن عبد الله بن تركي ومن آل جلوي عبد الله وفهد وعبد العزيز أبناء جلوي وعبد العزيز بن مساعد بن جلوي وقد شرح لهم في ذلك الاجتماع ما هم فيه من محنه وضيقا وسألهم عن رأيهم في الخروج من هذا المأزق والخلاص مما هم فيه من كرب واغتراب.
قال عبد الله بن جلوي: أما رأينا يا عبد العزيز فأنت تعرفه ولسنا نخالفك في شيء ولكن أرى إن تعرض الموضوع على أبيك الإمام عبد الرحمن لنعرف رأيه فيه ونلتمس عنده النصح والمشورة، قال عبد العزيز: الحق منك وما قلت إلا الصواب.
والتم جمع الأسرة لدى الإمام عبد الرحمن وبسط أمامه المسألة ووجهه نظرهم فيها فقال لهم: ما قلتم صحيح وأنا معكم فيه ولكن أرى أن تنتظروا قليلا حتى تصلنا أخبار ابن رشيد فإن كان قد أساء معامله أهل نجد فأبشروا بالفرج والنصر من الله وإن كان قد سار فيهم بالعدل والإحسان وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وعفا عن الماضي فالأمر سيطول علينا وعلى الله الفرج وهو المستعان وانتظروا شهرا أو يزيد وجاءتهم الأنباء أن ابن رشيد لم يسر في أهل نجد سيرة حميدة.
وقد اقترح عبد الله بن جلوي أن يسافر إلى الرياض وحده ليدرس الوضع عن قرب فإن وجد لهم مخرجا مما هم فيه أرسل إليهم وإلا أخبرهم بالحقيقة عن الفرصة المواتية.
لقد ساور عجلان الشك في نوايا عبد الله بن جلوي ولم يكن مستريحا لوجوده في الرياض وفي يوم أعرب عن مخاوفه هذه لبعض خاصته واستشارهم في حبسه أو قتله أو إرساله إلى ابن رشيد في حائل وكان في المجلس رجل صديق (لعبد العزيز بن حسن) من أنصار آل سعود والموالين لهم من أهل الرياض وهو والد المرحوم عبد الله بن حسن فأخبره بما قال عجلان في بيته وفي الحال ذهب عبد العزيز بن حسن إلى عبد الله بن جلوي في بيته وأخبره بنية عجلان ونصحه بمغادره الرياض في تلك الليلة فقال عبد الله: أريد المسير ولكن ليس عندي ركائب فقال له سأجهز لك ذلولين مع بندقيتين مع الماء ومؤونة الطريق ذلول لك وذلول لمرافقك الذي سيسافر معك وسأله عبد الله عن قيمة ذلك كله فقال له: ليس له قيمة الآن نحن منكم ولكم يا آل سعود والذي عندكم نجده أن شاء الله. سرى عبد الله في ليلته مع مرافقه (محمد بن هزاع) وفي ذلك اليوم أرسل عجلان في طلبه ولم يجده، وهذا يدل على حب أبناء هذا الشعب لهذه الأسرة الكريمة التي حكمت بالعدل والإنصاف والمساواة بين رعاياها وعدم التميز بينهم.
وبعد فتح الأحساء قال: الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - لعبد الله بن جلوي ما رأيك يا عبد الله في صاحبك عبد العزيز بن حسن ألا تجد عنده سلفة من المال نفك بها ضيقنا فقال له: أرسل أليه إما أجاب أو اعتذر فأرسل إليه وأخبره ماذا يريد فقال له: عندي عشره آلاف فرنسي فخذها، فقال الملك: ليتك تدبرنا بعشرة آلاف أخرى فقال له: هذا كل ما تحت يدي الآن ولكن أسأل لك عند معارفي من أهل الرياض فقال الملك: حسنا افعل ولكن لا تذكرني لهم وبعد يومين جاءه بعشرة آلاف أخرى، وأكد له لم يذكر لأحد لمن يريدها وقد استلف الملك من ابن حسن دون غيره لثقته به أولا ولأنه لم يكن يريد أن يعرف الناس لحاجته إلى المال في ذلك الحين.
وقال الملك: نرجو أن نعوضك بأكثر منها إن شاء الله، فقال له: أعزكم الله يا آل سعود ولا أعز عليكم الذي عندكم نجده إن شاء الله
سر الملك إذ أصبح معه خمسة وعشرون ألف ريال فوزع منها على بعض أهل الرياض وكان للريال آنذاك قيمة كبيرة فكان كيس الرز يأتي من الأحساء إلى الرياض بثلاثة ريالات.
وسأل الملك عبد العزيز بن حسن عما إذا كان يعرف يدبرهم بكمية من التمر للغزو المرتقب فقال له: عندي (جصة) من التمر مملوءة لم نأخذ منها شيئا بعد، فقال الملك: علي بها ثم جمع التمر الذي عند بعض أهل الرياض تحسبًا للطوارئ.
هذا يدل على قوه الترابط بين الحاكم والمحكوم وأسرة آل سعود من عهد المؤسس إلى الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - ومن بعده أبنائه البررة وهم يحكمون بالعدل ويطبقون الشريعة السمحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا ما جعل ابن حسن وغيره كثير يقدمون أموالهم وأرواحهم فداء لهم.
متعب بن صالح الفرزان - العمارية - المصدر: كتاب عبد العزيز بن مساعد حياته ومآثره