في كل عام، ينتظر المواطنون مناسبتهم السنوية التي اعتادوا عليها حتى أضحت جزءاً من برنامجهم السياحي، ألا وهو كرنفال الجنادرية، ولا يخفى على متابع قدر الجهود التي تبذل لإنجاح هذا الاحتفال الضخم، الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين ويوليه اهتماماً كبيراً؛ إذ يجمع بين الموروث الشعبي، والنشاط الثقافي، ويتم تطوير نشاطاته عاماً بعد عام بلا كلل ولا ملل.
خلال الأعوام الماضية، ومع التسهيلات الكبيرة التي يقدمها القائمون عليه، أصبحت العائلة السعودية تجد فيه متنفساً للترويح عن النفس، إذ يقصدونه من كل مناطق المملكة، ولو أجريت استفتاء على أكثر النشاطات تنظيماً وجذباً خلال العقود الماضية، لأصبح هناك ما يشبه الإجماع على تفرده بالمرتبة الأولى. ومع أن القائمين عليه من خيرة الناس، ورغم الحرص على تواجد جهات الضبط الاجتماعي، إلا أننا فوجئنا قبل أيام، وفي خضم سير المهرجان وتقاطر ما يزيد على نصف مليون مواطن إليه بمجموعة تدَّعي أنها «محتسبة» تتوجه إلى هناك، وتم التعامل معها وفق الأنظمة، واعتقدنا أن الأمر انتهى عند هذا الحد.
لذا فوجئنا في اليوم التالي بمجموعة تتنادى عبر التويتر للتوجه للجنادرية للاحتساب مرة أخرى، وأيضا تم التعامل معهم بما لا يخفى على الجميع. دعونا نعود إلى خلفيات الموضوع، ونتذكر أن مجموعة من الدعاة حذرت وحرضت على عدم الذهاب بالعوائل إلى هناك، لما في ذلك من منكرات!، ولا يمكن إلا الربط بين التحذير والتحريض من قبل هؤلاء، والانطلاق من قبل المحتسبين. في هذه الأجواء المشحونة، تم تسريب خطاب منسوب لرئيس هيئة الجنادرية يطلب الدعم، وقد تم نشر الخطاب على نطاق واسع من قبل كثير من الدعاة، وبعد أن تم كشف حقيقة أنه خطاب «مزور»، حذفوه من حساباتهم، ولم يعتذر إلا قلة منهم!.
ترى هل يخفى عليهم أن الاحتساب دون إذن يعتبر مخالفة شرعية؟، ثم هل بلغ بهم التقليل من شأن الهيئة درجة أنهم لا يثقون بعملها رغم تواجد كوادرها المدربة هناك؟، بمعنى آخر، هل يخفى عليهم أن إصرارهم على الاحتساب فيه قدح بعمل الهيئة الموقرة؟، ثم تساؤل يؤرقني: لماذا لم يحذر أحد المشائخ - وقد عرف عنه الحرص والحصافة - من الجنادرية إلا هذا العام، مع أنها تقام منذ ثلاثة عقود؟، فهل استجد شيء فيها، أم استجد شيء يخصه هو جعله يتذكر هذه المحاذير الآن؟، أسئلة لا يمكن إغفالها، ولا يمكن الإجابة عليها، ولكنها تظل محيرة.
وختاماً، لقد كنت في الجنادرية يوم قصدها المحتسبون، ولم أر إلا كل خير، فقد كان الرجال يتسابقون إلى المصليات مع الأذان، وكانت النساء محتشمات، كما رأيت رجال الحسبة موزعين في كل مكان، ويتعاملون مع المواطنين بكل رقي واحترام، ولا أظنهم كانوا سيغطون على المنكرات المزعومة- حاشاهم-.
فاصلة: «قمة الأنانية ليست أن تعيش كما تريد، ولكن أن تجبر الناس على أن يحذو حذوك».. أوسكار وايلد.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2