|
الجزيرة- محمد السهلي
ضربت السلطات الهندية قبل ما يربو عن الخمس سنوات «بيد من حديد» على جهود أبنائها المسلمين عندما عرضوا على البرلمان إنشاء صيرفة إسلامية. كان من الطبيعي أن تكون هناك ردة فعل من الطائفة المسلمة التي تبلغ أكثر من 140 مليون نسمة. صحيح أنها تأخرت ولكن نتائجها بدأت الآن في الظهور.
كان لا بد من حزم الحقائب بعد أن أصبحت الكوادر الهندية الأكاديمية بكافة أطيافها، ولا سيما تلك التي تحمل ثقافة الاقتصاد الإسلامي، تشعر بأنها « منفية» داخل بلدها. وعليه كان من الطبيعي أن ينزح «الكادر التعليمي بطلابه» ويشد الرحال إلى أقصى قارات العالم (أستراليا) لاتخاذها مركزاً لتصدير كوادر الصيرفة الإسلامية سواء للخليج أو لشبه القارة الهندية.
فقبل ما يربو عن الأربع سنوات, أقنع البروفسور إسحاق بهاتي جامعة «لا تروب» الأسترالية بإنشاء برنامج ماجستير عن التمويل الإسلامي. وبعد ما نجح طاقم «شبه القارة الهندي» الأكاديمي في إعداد المحتوى التدريسي لهذا البرنامج, بدأ إسحاق في رحلة مكوكية نحو بلدان الخليج العربي من أجل الاجتماع بقيادات البنوك والحصول على دعمهم الذي يتمحور حول إرسال كوادرهم للتعلم أو تدريب المتخرجين الجدد من الجامعه الأسترالية.
وفي أثناء ذلك ذاع صيت برنامج الماجستير الفريد من نوعه بين الطلبة الهنود الذين يدرسون في أستراليا. فمحمد رضوان يشعر بحماسة كبيرة من جراء تقديم جامعة «لا تروب» برنامجها عن التمويل الإسلامي. فهو يرى أن بتعلمه لفقه المعاملات سيتمكن من المساهمة في تطور مجتمعه الهندي, على الرغم من أن هناك إمكانيات كبيرة للحصول على وظائف جيدة في أستراليا والشرق الأوسط. وبينما تفضل قلة قليلة من الهنود العودة لبلادهم, تفضل الغالبية العظمى منهم العمل في البلدان الخليجية التي تتبنى الصرافة الإسلامية.
وتبلغ تكلفة برنامج ماجستير «التمويل الإسلامي» 17 ألف دولار أسترالي سنوياً، ويمكن إنهاؤه في سنة أو سنتين، وذلك وفقاً للدراسة السابقة للطالب وما لديه من خبرة.
ويشتمل البرامج على ثمانية مقررات، منها فقه المعاملات، والقانون التجاري الإسلامي، والمصرفية الإسلامية، والتأمين الإسلامي، والأسواق المالية الإسلامية، والمجالات العامة للتمويل.
المعارضة الشرسة
وكان المسلمون الهنود قد واجهوا قبل خمس سنوات معارضة شرسة من أحد الأحزاب السياسية الهندوسية عندما قرروا النظر في إمكانية تأسيس أول مصرف إسلامي لخدمة أكثر من 140 مليون مسلم يعيشون هناك. وتتركز حجة الحزب المعارض في أن الصرافة الإسلامية لا تعتمد على تقاضي الفائدة من المقترضين وعليه فهناك شكوك من إمكانية استدامتها. وتتمحور الحجة الثانية في أن إدخال المصرفية الإسلامية قد يساهم في تقسيم المجتمع الهندي. فمعروف أن الهند من أكثر البلدان تنوعا في الأديان بالعالم.
ويطالب عدد من أعضاء البرلمان الهندي المسلمين, بقيادة راجيا سابها, بإدخال نظام المصرفية الإسلامية في البلاد، لتمكين المسلمين من تنظيم مدخراتهم واستثماراتهم وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ونشأت فكرة البنك الإسلامي أثناء حكم التحالف الوطني الديمقراطي NDA في الهند. وفي عام 2004، أنشأ وزير المالية آنذاك، بي شيد امبار آم، لجنة من مسؤولي البنك الاحتياطي الهندي لدراسة الموضوع الذي رفض في نهاية المطاف. إلا أن هذا الاقتراح ظهر على السطح مرة أخرى في 2007، عندما رفعت لجنة من أعضاء البرلمان المسلمين عريضة إلى مانموهان سينج رئيس الوزراء الهندي إلا أنه تملص قائلاً إنه يجب أولاً إقناع البنك الاحتياطي الهندي بهذا المشروع. بعدها صدرت توجيهات من رئيس الوزراء بإنشاء لجنة لدراسة الجدوى الاقتصادية والنواحي القانونية للمشروع. وبعد تلك الخطوة الجادة, ظهرت أصوات تقول إن تلك الخطوة هي بمثابة محاولة لاستمالة قلوب السكان المسلمين وعقولهم لأغراض سياسية. ولا يزال المسلمون هناك يعولون كثيرا على دعم رئيس الوزراء, الذي يعد أحد أكثر الرموز الهندية تأثيراً في تاريخها الحديث نظراً للإصلاحات الاقتصادية التي سنها في أوائل حقبة التسعينيات عندما كان وزيرا للمالية. ومع عدم الاهتمام المحلي بصناعة المال الإسلامية بالهند, أصبحت الدول الغربية تحتضن الأكاديميين القادمين من شبه القارة الهندية الذين أخذوا على عاتقهم تدريس مادة الصرافة الإسلامية لأبناء جلدتهم الذين ينتظرون بدورهم أن تستقبلهم شواطىء الخليج العربي إلى أن يحين الوقت المناسب لانطلاقة المصرفية الإسلامية في بلادهم.