منذ أن عرفتك.. منذ سنوات, وقلبك لم يَتغيَّر, لأنك تُحب الناس.. الناس كلهم. لم يعرف وجهك إلا البشاشة والضحكة, التي ارتسمت ثابتة مع تقاسيم رسوم الوجه.. لحظات نادرة؛ تنزوي هذه القسمات إلى لمحة انتباهة من الجد, تتغير فيها ملامح الوجه, حينما يبهتك أحد بقول ليس فيك.
ولست أنا الذي يقول فيك هذا, ما قاله صاحبك الأثير وصاحبي, بل كل من يعرفك عن قرب أو بُعد يحبك لأنك أهل لذلك, ولأنك ذاتك التي لا تتغير, إلا إلى الأصفى والأجمل.
ذات مرة - وأنت لا تعلم ذلك - قال أستاذي الراحل «محمد حسين زيدان» العبادلة عندي كُثُرْ, ولكني أُوثر منهما اثنين. وأما من كان اسمه «عزّ» فله من اسمه العزّ وهو عندي عزيز, وحينما قلت له من «عزّ» فقال لي, وقد افتر وجهه الجميل عن ضحكة واسعة: «ياهو.. عبد العزيز» وهو يعنيك أنت..
أما لو كان أستاذي عائشاً موجودًا بيننا, لكنت حدثته عن سمو شعرك وعزته, التي ارتقت إلى عالم اللامحدود والأرحب, وانطلقت إلى الصفاء الرباني, والذي شمل الإنسان في كل معانيه..
ألست القائل:
للقلبِ رُؤيا لا تراها العينُ مثل فواتح الأشعارِ في
قِصصِ التولّه والهيامْ
وكأنّه لغزٌ وأحجيةٌ وزلزالٌ يجيئ فُجاءةً
نارٌ تبدّد كُلّ أشكالِ الظلامْ
وتكمُلُ المعنى سِهامٌ من سنا النظرات واللفتاتِ
يكْتبْنَ التمائمَ للغرامْ
خدرٌ يُصيبُ حواسنا كي لا نرى إلاّ حبيباً واحداً
بين الزِحامْ
وأقولُ ذا قَدري تجلّى بينَ أقمارِ المجرة والأنامْ
ويُترجِمُ المعنى نداءُ عواطف الأجسادِ تفعلُ ما تشاء..
وحينها صمتَ الكلام!!
تسّاقطُ الأشياء بين تلّهفي.. كلُّ الحواجزِ والموانِعِ
منذ أن بدأ الوجودُ لوقتِ ما سكبتْ شفاهُكِ من مُدام
وأقولُ إني قَد عَرَفْتُ مكامِنَ الآهاِ والأوتارِ
والحب المسربل بالضرامْ
أدركتُ معنى الآه في لقيا الهوى
وجموحَها المبحوحَ... وانفلتَ الزمام
وتقولُ... هيّا... كي نواصِل دربنا نحو السحابِ -
- إلى سماءٍ فوق أجنحة الغمامْ
وكأننا روحان يلتقيان في سرْبٍ تزاحَمَ بالحمامْ
وتقولُ.. أُنظرْ.. في بروقِ النجمِ في عينيِ
ولا تسألْ.. على الدنيا السلامْ
لقد عبرت في شعرك, بين المحسوس واللاّمحسوس, بين المُدرك, وما لا تُدركه إلا الأبصار التي توحدت مع ذاتها, ومع الذات العلوية, لاتزال تواصل درب إبداعك وأنت تُرفرف نحو السحاب, وتحاول أن ترقى إلى «سماء فوق أجنحة الغمام» من يفعل بك ذلك, إنه قلبك, الذي له «رؤيا لا تراها العين» وهو دائماً يمتعنا «بفواتح الأشعار في قصص التوّله والهيام».
إن قلب الشاعر لا يموت.. تَغلّب على أوجاع قلبك المُضني بوجد الشوق والتوق.. إننا ننتظر فواتح الأشعار المُوَلَّهة بقصص الحب والهيام. والممزوجة بعجائن النور واللهب المذاب.. ننتظرك إنساناً.. وحباً يسعى في كل مكان وينشر أريجه حيث يكون..