كانت مهيبة صاخبة على خلاف رحيلك الهادئ.. نعم إنها جنازتك جدي الوفي. هانحن نوسدك التراب.. نغادر لحدك المطيب وقد تركنا فيه بعضاً من أفئدتنا وأرواحنا الحرى.. وشيء من بريق أحداقنا وبوح وجداننا.
لقد وعيت على الدنيا وأنا ألمح رجلاً مجللاً بكل صور الرصانة والهدوء، وكانت تلاحقني رغبات الفضول لمعرفة كنه وسبب هذا الهدوء وبواعثه؟ ومع مرور الوقت رسخ في ذهني تماماً أنه انعكاس لسكينة روحه الطاهرة المشربة بعمق الإيمان والمحبة للخير وبذله، نعم إنها آثار طاعة الرحمن والتعلق به.
كل العزاء لأمي وأخوالي وأهله وأحفاده، لقد عتب علي بعض المحبين أني في يوم دفنه كتبت تحت صورة والده جدي الأول المتوفى قبل ثلاثة عقود الشريف محمد بن شايع بن نوفل - رحمه الله- في إحدى شبكات التواصل الاجتماعي العبارة التالية: «رحمك الله طاهر الفؤاد، اليوم ووري الثرى فلذة فؤادك وريحانة قلبك فهد الأشم في جنازة مهيبة لم أعهدها في بلدتي من قبل، أتعلم جداه ما الذي دفع الناس ليتسابقوا على حمل جثمانه الطاهر وتوسيده الثرى؟ إنه امتداد الحب لبيت سقيته بالرعاية والتدين والصلاح.. الليلة يرقد بجوارك بضعة منك.. أحبك، واستغفر من أجلك.. الليلة تتصافح أرواحكم النقية لترسم لوحة مجللة بكل صور الأشواق.. والترقب للنداء المبهج: ادخلوها بسلام آمنين.. قال لي المحب: «سامحك الله أبا خالد لقد أبكيتني ونكأت جرحين لا جرحا واحدا...»
نعم رحل أتقى الرجال وأنقاهم، عفيف اللسان، نقي الجنان، نظيف الكف، لم يترك النداء للصلاة قرابة أربعة عقود إلا لحج أو عمرة، إنه الشيخ الشريف فهد بن محمد الشايع بن نوفل.
أما أنت أماه يا ملاك الطهر وسليلة الزهراء سيدة نساء الجنة فقد أثبت مع مرور الزمن أنك رمز للرضا ورسوخ اليقين؛ وهانحن نتعلم منك الدروس تلو الأخرى، تتجلدين، تصبرين، تواسين الآخرين وأنت المكلومة، تمسحين عبرات الناس وفؤادك يبكي بهدوء وسكينة؛ تخفين دمعة ذاهلة بين مآقيك الطاهرة. فلأن للطيبة والتسامح حضوراً في حياتك فلن أقوم بتأبينك إذ لن يكفيني فيك تأبين لحظة أو قصيدة عابرة بل أسى زمن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
د. محمد بن خالد البداح
الأستاذ المشارك ووكيل كلية الدعوة والإعلام للدراسات العليا والبحث العلمي