هو راشد بن علي بن عبد الله بن محمد بن سليمان, النجدي قُطرًا, النعاميُّ مولدًا وموطنًا, السلفي معتقدًا، هكذا نسب نفسه في رسالة منه إلى صدّيق بن حسن القِنَّوْجي (ت 1307هـ- 1889م، أصله من بلدة (نَعَام) في جنوبي نجد, وذهب البسام إلى أن أسرته من بلد (الزُّلْفِي), ثم رحلوا أو رحل بعضهم إلى بلدة (رَغَبَة) ومنها إلى بلد (ضَرَمَا), ثم إلى بلد نَعَام, ويظهر أن هذا القول على اعتبار أن أصل الجراسا أو الجريسي من جد واحد, مع أن صاحبنا موجود في آخِرُ اسمه (ابن جريس) هكذا.
ولم يحدث خلاف في اسمه بين من ترجم له من معاصريه, إلاّ أن الأمر قد يكون فيه اختصار كما فعل صاحب (التاج المكلل)، حين قال إن اسمه هو:»راشد بن علي الحنبلي النعامي من آل جريس.
مولده:
ولد المؤرخ راشد بن جريس في عام (1250هـ- 1834م) تقريبًا. ويعد القاضي، الوحيد - حسب علمنا - الذي ذكر مولده, كما نص على ذلك، وحدد مكان ولادته في بلدة (نعام), وتابعه في ذلك الزركلي, وليس في مدينة (الرياض) كما قال بذلك البسام. وتابعه الطريقي.
عاش ابن جريس أول حياته في بلدة نعام جنوب الرياض, ومن ثم انتقل منها إلى الرياض في تاريخ غير محدد, وذُكر أنه تولى الشؤون المالية الخاصة في قصر الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي(ت 1307هـ- 1889م)، ولبث فيها سنوات لم يعرف عددها, ويبدو انتقاله إلى الرياض كان لطَلبَ العلم.
طلبه للعلم:
لم تول المصادر التي ترجمت لابن جريس كيف طلب العلم، باستثناء إشارات طفيفة, يمكن من خلال هذه الإشارات فهم علم المترجم له ومدى عنايته بطلب العلم, وتدل بعض رسائله التي نشرها صدّيق بن حسن القنوجي إلى دلالات كبرى أظهرت ما يتمتع به ابن جريس من علم جم، ولغة رصينة، ومكانة عالية في تحرير رسائله وتدبيجها, كما أن بعض الردود التي ضمنها بعض رسائله تدل على فهم كبير لمعاني الآيات وتفسيرها, فقد ناقشه مناقشة علمية يحفها تواضع المتعلم، حين تعرض لتفسير صديق بن حسن القنوجي في بعض ما ذهب إليه بأسلوب علمي رصين، وأدب رفيع، كان الهدف منه توخي الحق، ولم يهدف فيها إلى مجرد المعارضة, فقد جاء في إحدى رسائله: «وقد وقفت على حسن تفسيركم لسورة «الذاريات» في قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد) أي بقوة وقدرة, قاله ابن عباس: هل قوله: بأيد, تكون الأيدي: صفة لله من صفاته التي تليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه...»
ومن الملاحظ هنا أنه يناقشه مناقشة مؤدبة، ثم يذكر في رسالة أخرى، أنه لم يكن يهدف فيما كتبه النقد، وإنما الاستيضاح, وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن يتحلى به طالب العلم والعالم, لبيان الخطأ أو مناقشة مسائل الاختلاف. يبدو أن نجداً كانت في زمن المؤلف تحتاج إلى نهضة علمية؛ إلاّ أن الظروف السياسية لم تكن مواتية, لهذا فإن طلب العلم في زمن ابن جريس كان منحصرًا في الرياض وحدها. وكان على رأس علماء نجد في زمنه الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب, ثم من بعده ابنه عبداللطيف بن عبد الرحمن بن حسن وغيرهم من العلماء من غير أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ويبدو أن ابن جريس لم يكن مخالفًا للمنهج الذي عليه أئمة الدعوة, فكان حنبليًا سلفيًا. وقد نص على ذلك كثيراً في ختام ما نسخه من مخطوطات, لذلك كان إعجابه بالشيخ صديق بن حسن القنوجي لما هو عليه من المنهج السلفي. ومما يستشهد به عبارته التي يذكر فيها: «وكنا قبل نحسب أن هذه الطريقة السلفية لنا, ليس لنا فيها مشارك في الدنيا حتى وقفت على بعض مؤلفاتكم الشريفة فازددت بها فرحًا وسرورًا». ويكرر مثل تلك العبارات في رسالة أخرى يقول فيها: «لأجل أنهم موافقون (أي أهل نجد)، لما أنتم عليه من إتباع «الكتاب والسنة» فهذا هو اللائق بمقامكم الشريف».
ولعل هذا الضعف السياسي والذي نتج عنه الشح الاقتصادي؛ لم يمنعا ابن جريس من طلب العلم والعناية به, بل إن هناك بعض الإشارات الخطية الباقية حتى وقتنا هذا تدل على أنه كان يمتهن نسخ الكتب أيضًا.
وتدل المراسلات التي ضمنها صديق بن حسن القنوجي في ثنايا ترجمته لابن جريس, على ما يتحلى به هذا العالم من علم جم، وسعة إطلاع، وسلامة عقيدة، وبعد نظر، وحسن اختيار للعبارة، وتأدب في نقد المخالف، بهدف التصحيح والنصح, لا التنقص والتشهير، ولهذا فإن تلك الرسائل فيها من الفوائد الجمة التي يمكن للباحث أن يتلمسها من خلال تلك العبارات العلمية, وقد ظهر منها تواضعه وسعة إطلاعه وأدبه وعرف منها مكان مولده وإقامته.
وقد رحل ابن جريس إلى أماكن ومدن متعددة داخل الجزيرة العربية وخارجها. فكانت أول رحلاته إلى مكة المكرمة حاجًا عام 1296هـ- 1878م، التقى - ربما - فيها بالعديد من علماء العالم الإسلامي، ثم رحل إلى المدينة المنورة ومنها إلى القدس الشريف, وتاقت نفسه بعد ذلك فواصل الرحلة خارج البلاد العربية حتى وصل إلى إستانبول, وتعرف في إستانبول إلى صاحب مطبعة الجوائب السيد أحمد فارس بن يوسف بن منصور الشدياق (1219- 1304هـ- 1805- 20 أيلول «سبتمبر» 1887م). وابنه سليم, وأصبحت هذه المطبعة عنوانه في غالب مراسلاته. لأن كثيراً من رسائله التي كان يرسلها يطلب فيها أن يكون الرد على عنوان مطبعة الجوائب. وهذه من الدلائل التي تدل على تردده عليها.
وقد كان للخلافات السياسية تأثيرات سلبية على الوضع الاقتصادي في نجد, فضلاً عن الضعف العلمي الذي تطلب من ابن جريس التفكير في الرحلة والعيش برفقة الأمير عبد الله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود, الذي عاش جزءاً من حياته في تركيا, حيث كُرِّم بها, بسبب كونه أحد أبناء البيت السعودي, وأعطي لقب الباشوية, ولما كان ابن جريس ضمن مرافقيه وجلسائه, فلعله استفاد مما أعطي ابن ثنيان من خلع ومنح وراتب من الباب العالي في تركيا.
وفاته:
اختلفت الروايات والمصادر التاريخية المتوافرة في سنة وفاته، فقد جاءت خطاء عند البيطار أن وفاته وقعت في أوائل القرن الثالث عشر الهجري مع أن الصحيح أن يقول أوائل القرن الرابع عشر, دون تحديد لسنة بعينها. بينما يجعلها البعض الآخر من الروايات والمصادر بعد عام 1298هـ- 1880م, وذلك اعتمادًا على تاريخ آخر رسالة له بعثها إلى صديق بن حسن القنوجي, «إن وفاته بعدها» دون ذكر لسنة محددة, أما الرأي الأخير فهو ما ذكره الطريقي: «إنها كانت بعد عام 1303هـ», بدون ذكر لسبب هذا القول. ويبدو أن الطريقي اعتمد فيما ذهب إليه على قول البسام الذي يرى أن وفاته في أول القرن الرابع عشر الهجري في مدينة إستانبول، وأميل إلى الرأي الأخير.
مؤلفاته ومنسوخاته:
على الرغم أنْ المدة الزمنية التي عاشها ابن جريس تُعد من الأزمنة العصيبة سياسياً التي مرت بها الدولة السعودية الثانية (1240-1309هـ-1824-1891م)، إذْ تخللها عدم الاستقرار السياسي بسبب التنافس الذي نشب بين ابني الإمام فيصل بن تركي. إلاّ أن ذلك لم يمنع ابن جريس من التأليف والاهتمام بهذا الجانب. ظهر لنا بعد البحث والتقصي أن هذا العالم ترك لنا عدداً من الكتب منها ما كان من تأليفه، ومنها ما قام بنسخه، ولهذا سوف يتم تقسيم أعماله إلى نوعين هما:
الأول: المؤلفات:
وقفت على مجموع تضمن مخطوطان غير محققين هما:
1 - بٌهْجة المحَاضر وسرور الناظر فيما منّ الله به على أهل نجد من الشرف والمفاخر على يد شيخ الإسلام التقي الأواب محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الثواب.
كتاب تاريخي، يقع في (93 ورقة)، يعنى بتاريخ الدعوة السلفية في نجد، وقف فيه عند أحداث عام 1212هـ- 1797م, كان تاريخ بداية تأليفه من لدن ابن جريس في عام 1288هـ- 1871م, وقد تنوعت مصادره، فكان كتاب ابن غنام المشهور, «بروضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام»، من أبرز مصادره التي اعتمد عليها في كتابه؛ أما المصدر الثاني الذي اعتمد عليه ابن جريس فهو كتاب ابن بشر المعنون بـ»عنوان المجد في تاريخ نجد», أما الكتاب المصدري الثالث المعتمد عليه فهو كتاب «المقامات» للشيخ عبدالرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
وينقص هذا المجموع أوراق من آخره بسبب تهالك الورقات الأخيرة بفعل ارتفاع الحموضة في الحبر الذي دونت فيه المخطوطة، وتأثيره في الورق الذي لم يستطع أن يقاوم تلك الحموضة.
2 - صوارم البراهين المسلولة من إغماد أسرار الوحي المبين على رقاب شبهات القدرية الغاوين, جاء عنوانه هكذا على أول ورقة به. أما في ثنايا هذه الرسالة غير التامة فقد سجل عنوانًا آخر هو: صوارم البراهين المسلولة من إغماد أسرار الوحي المبين على رقاب شبهات الزائغين. ومما يشار إليه أن هذا الاختلاف بين العنوانين على غلاف المخطوط وفي ثناياه, تكرر أيضًا في كتاب: مثير الوجد. إلاّ أن الملاحظ أن المؤلف - رحمه الله تعالى- لم يكمل هذا العمل «صوارم البراهين», إلاّ أن ما كتبه منها ست صفحات فقط، وتبرز في ثنايا هذه الرسالة منهج مهم وهو ذكره في مطلع رسالته أو رده، سبب تأليفه.
3 - مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد..
تناول ابن جريس في هذا الكتاب نسب آل سعود، الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية - أعزهم الله - إلا أنه نسبهم على غير ما هو معروف ومعلوم عن أسرة آل سعود، حيث نسبهم إلى بكر بن وائل، والصحيح الراجح عند غالب مؤرخي نجد ونسابيها أن آل سعود من بني حنيفة.
وقد ألف هذا الكتاب - كما أشار - بطلب من أحد أبناء البيت السعودي نفسه وهو الأمير عبدالله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود.
يكاد يكون كتاب «مثير الوجد» الكتاب الوحيد الذي طبع لابن جريس. فقد بلغ عدد طبعاته ثلاث طبعات، كانت أول طبعاته في سنة 1379هـ عن طريق محققه محب الدين الخطيب في المطبعة السلفية، وتعد هذه الطبعة التي تقع في 48 صفحة من أجود الطبعات، من حيث مطابقتها للمخطوطة نفسها، ورسمها للعنوان الصحيح أيضًا. أما الطبعة الثانية للكتاب فكانت سنة 1399هـ- 1978م، واعتنى بها تحقيقاً عبد الواحد محمد راغب، وبمراجعة عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ. ومما يلحظ على هذه الطبعة أنها احتوت على الكثير من الاختلاف والسَّقط، مع أن المحقق الكريم اعتمد على المخطوطة نفسها التي اعتمد عليها الخطيب؛ إلا أنه لم يوفق في القراءة الصحيحة للكثير من الأسماء، كما تجاهل إيراد المشجرة التي في المخطوطة، فلو أنه أدرجها كما فعل الخطيب لكان أولى.
أما الطبعة الثالثة فصدرت سنة 1419هـ- 1999م، بتحقيق محمد بن عمر بن عقيل «أبي عبد الرحمن» وتتميز هذه الطبعة عن سابقتيها بالمقدمة الوافية التي دبجها العالم الجليل أبو عبد الرحمن، وتعليقاته المطولة؛ إلا أن ما يقال عن نص المخطوط المدرج بها هو ما قيل عن سابقتها، من حيث عدم مطابقة المطبوع للمخطوط، ووجود بعض الفروقات المهمة؛ إضافة إلى بعض التصحيف، ولعل مرد ذلك إلى رداءة صورة المخطوطة التي أعتمد عليها المحقق.
4 - أشتهر أنه شاعر (أو ناظم) كما قال ذلك القاضي, ودليل ذلك أنه أورد شيئاً من شعره في رسائله لصديق بن حسن القنوجي. ولم يُعرف أنه جمع شعره في ديوان. ومن نماذج شعره التي أوردها صديق حسن خان في كتابه تهنئة له واردة من ابن جريس بمناسبة دخول شهر رمضان لعام 1298هـ، وهي قوله:
ركون الورى إلفاً رأيناه يعرف
كما قيل أرواح تميل وتألف
على الدين أولى والدَّنية بعدها
فنزرٌ على الأولى بقايا تخلَّفُوا
تجد جُلَّ هذا الناس للمالِ دِيُنهُ
وإيمانهُ عن علمِ مولاه يَصْدِف
الثاني: المنسوخات:
تمكنت من الوقوف على مخطوطتين محفوظتين في مكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، والمكتبة المركزية في عمادة شؤون المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الأولى منهما احتوت على خمسة مواضيع، معنونة بحسب ترتيبها في المخطوط:
1- سند رواية « كتاب الإقناع في الفقه الحنبلي عن الشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد (ت 1232 هـ)، وسند مؤلفه، موسى بن أحمد بن موسى أبو النجا الحَجَّاوي (ت 960هـ).
2- نقول مختصرة، من كتاب في فضائل الصحابة، ومن كتاب الكنز المدفون والفلك المشحون، المنسوب لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ)، وتاريخ النسخ في 27 رجب 1293هـ، من الورقة 3 إلى 17.
3- مختصر الفوائد الشنشورية في شرح المنظومة الرحبية، لعبدالله محمد بن عبدالله بن علي الشنشوري (ت 999هـ)، وتاريخ النسخ يوم الثلاثاء 15 شعبان 1296 هـ، من الورقة 18 أ إلى 48 ب..
4- كتاب الأربعين في فضل اصطناع المعروف للمسلمين، لعبدالعظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656هـ) وقيل في العنوان: أربعون حديثاً في فضل اصطناع المعروف، وتاريخ النسخ 28 ذي الحجة 1294هـ.
5- معدن الفقه والفتوى على مذاهب الأئمة الأربعة أهل الدين والتقوى، لمحمد بن أحمد بن سفر الغساني الشافعي, وتاريخ النسخ 19 ربيع الآخر 1298هـ،
6- الرد على الزنادقة والجهمية، المنسوب لأحمد بن حنبل (ت 241هـ)، وتاريخ النسخ 14 جمادى الأولى 1298هـ، من الورقة 194 أ إلى نهاية المخطوط. والثانية: ضمت مخطوط واحد هو: وظائف رمضان المعظم، وهي مخطوطة تقع في 34 ورقة، يبدو أن راشد بن جريس أتمها وأكمل ما بها من نقص، وذلك من خلال تنوع الخطوط التي برزت في خطوط هذه المخطوطة، وختمها بتاريخ النسخ أو الإتمام وهو يوم الأربعاء بقايا شعبان أرب ع أو ثلاث من شهور سنة 1274هـ.
(*) قسم الآثار، كلية السياحة والآثار، جامعة الملك سعود