مع أننا في الشتاء، وفي قلب فصل «المربعانية» إلا أن هناك من عمد إلى تأجيج نار أسعار تذاكر الطيران هذه الأيام، ورغم السعي الحثيث للتقليل من آثار هذا الأمر وخطورته على العملاء والمسافرين من قبيل اعتبار هذه الخطوة مجرد تعديل طفيف في مزايا وأولويات الحجز وقطع التذاكر!! إلا أن من سيتضرر هم ذوي الدخول المحدودة والمقبلين على السفر اضطراراً.
وعلامات التعجب التي قد ترتسم في آخر هذه الجمل لا شك أنها تضعنا في مرمى حالة من الترصد وحبائل رفع الأسعار، لكن بأسلوب موارب يعطي لشركات الطيران ومكاتب السفر فرصة العزف على وتر: (الدنيا طايرة..! وكل الأسعار مُحَلِّقة أو مُولِّعة!) بل أن هناك من يزعم أن تعديل أو زيادة سعر التذاكر هو خطوة أولى لتعديلات قادمة وزيادات مرهقة وغير متوقعة.
أما وأن تم شرح فكرة هذه الزيادة بوصفها تعديلاً فإن سقف التحفيز وادعاء الضرورة وعلاقة التبكير في الحجوزات، وقطع التذاكر، وتأكيد المغادرة سيسهم في تقديم خدمات أفضل في مجال السياحة والسفر إلى كل مكان في العالم.. إذاً فما شأن ركاب الداخل الذين نعرف أن أكثرهم لا يسافر جواً إلا للضرورة القصوى وليس من قبيل السياحة؟!.. فمن سيقع في مصيدة رفع أسعار التذاكر هي الفئة الأكثر، وهم المتنقلون بين المدن الكبيرة والصغيرة لأغراض ضرورية وغاية في المشقة.
ينظر إلى الخطوط الجوية العربية السعودية أنها الناقل الوطني، وهي لا تزال رغم أن ما يلوح في الأفق يشير إلى أن هناك من سينافسها من شركات الطيران الأخرى، إلا أنه يجدر فيها أن تنظر إلى البعد الإنساني في أمر أسعار التذاكر بين المناطق، وألا تجعل الأمر مجرد فرصة للانقضاض على المضطر والمحتاج للسفر، من قبيل الضرورات المُلِحَّة، وقضاء حوائج الناس الماسة، على نحو من ينقل مرضاه، أو يزور أهله، أو يشارك في عزاء، أو عيادة مريض، وقل أن تجد من يذهب للسياحة وهذا أمر مفروغ منه.
ولكي يثبت لك الأمر واقعياً أن الناس مضطرة لخدمات الطيران بسبب انعدام الخدمات البرية على الطرق، وندرة الحافلات، وانعدام القطارات.. فالرحلات الداخلية في مطار الملك خالد في العاصمة الرياض -على سبيل المثال- يشهد كثافة عالية إلا أنه يغلب على هؤلاء المسافرين أنهم من ذوي الحاجات الماسة، وربما أهمهم المرضى، وقد تتحول مداخل ومخارج البوبات وكأنها ممرات مستشفى، وربما يُطلب الإسعاف أكثر من مرة إلى مرضى سينقلون إلى مدنهم، لتصبح العملية مثيرة للشفقة والدهشة.
في الداخل يجدر أن تكون الأسعار مخفضة لا أن ترفع وأن يكون للجهات الخدمية دور إنساني أكثر، على نحو وزارات الصحة والشئون الاجتماعية والمالية في تفعيل هذا الجانب بشكل سليم ومدروس وينم عن إنسانية، وكذلك أهمية صحوة ضمير شركات التأمين للمحافظة على القيم الإنسانية والتقاليد الوطنية.
أجزم أن هناك من يؤكد أن هذه الحالة وإن كانت عالمية إلا أنها من قبيل سيلان لعاب الاستحواذ حينما يرون زحام المطارات وكأنهم يقولون: «تجارة» يا الحبيب!.. لزوم البزنس ولا داعي -في اعتقادهم المادي- لذكر ما هو إنساني في هذا المجال.
أما إن كان الطيران والسفر للخارج فلا مشاحة من رفع أسعار التذاكر تماشياً مع كل ما هو عالمي في شأن الرفع والزيادة، حيث يحتدم الصراع بين شركات الطيران والتأمين التي اعتادت أن تحول الخسائر والرفع والدفع على حساب المسافر، لكن طالما أنه سائح وباحث عن استجمام فلابد له أن يتحمل.
hrbda2000@hotmail.com