) يقف اليوم معهد الإدارة العامة قلعة حضارية مشبعة بالعمل الجاد والإنجاز المفيد عبر مسيرة تفوق النصفَ قرن، وجاء إنشاؤه في مطلع الستينيات الميلادية حاملاً بشائر الخير لموظفي الدولة والإدارة الحكومية بوجه عام، ذكوراً وإناثاً، عبر ما يقدمه من برامج تدريبية متعددة الأغراض، تعالج أموراً شتى في منظومة الأداء الحكومي، ناهيك بجهوده المباشرة وغير المباشرة في مجال الاستشارات الإدارية والمحاسبية عبر البحوث والندوات المتخصصة تهدف في مضمونها إلى تطوير وتنمية آلية الأداء الحكومي، في ضوء المعايير العلمية والعملية المعروفة.
) وقد بلغ المعهد خلال عقد التسعينيات هجرياً شأواً من الشهرة لفتت نظر البعض من زوار المملكة من كبار الشخصيات من بينهم بعض رؤساء دول عربية.
) وخلال النصف الأول من عقد التسعينيات المشار إليه، سنّ المعهد خطوة كبرى بتأسيس ما بات يعرف بالتدريب الإعدادي (قبل الخدمة) كانت الغاية منه تقديم جرعات مكثفة ومدروسة من البرامج تهدف مخرجاتها إلى ضخ كفاءات جديدة مؤهلة إلى الجهات الحكومية، وتتراوح مدد التدريب فيها بين سنتين، كبرنامج الأنظمة، الذي سيتم الحديث عنه في سياق هذا الحديث، وبرامج أخرى لمدد أقل تتناول شئون العاملين والإدارة المالية والسكرتارية المتقدمة، تمثيلاً لا حصْراً.
برنامج الأنظمة:
) وهنا، أود تكريس ما بقي من حديث اليوم لعرض نبذة موجزة ومركزة لبرنامج الأنظمة، الذي ولد مبكراً ضمن منظومة البرامج الإعدادية، لتكوين أطر وكفاءات قانونية تنضمّ إلى الإدارة الحكومية، ملبيةً بذلك حاجة ملحّة للعنصر الوطني المؤهل في هذا القطاع، بدلاً من الاعتماد على الكفاءات الوافدة من بعض الدول الشقيقة والصديقة. وجاء هذا البرنامج تحديداً ليجسد خطوة جريئة جداً في مضمار التعليم الإداري المتخصص.
) تجدر الإشارة إلى أن مدة البرنامج سنتان، يشترط لهما التفرغ الكامل، ويستقطب الخريجين الجامعيين من بعض التخصصات النظرية ويحصل الخريج في نهايتهما على إجازة (الماجستير)، واتُّبِعَ فـي تنفيذه المنهج الأكاديمي المتخصص الذي يجمع بين سلطة المرجع وثقافة البحث العلمي الدقيق.
) وقد قوبل البرنامج بدءاً بمواقف متعددة التوجّهات، بين مرحب به، ومتحّفظ عليه، ومنكر له، وتركز (الرفض) للبرنامج في جبهتين مختلفتين:
1) فهناك من ظن أن البرنامج بتوجهه التنظيمي والقانوني، يطرح نفسه منافساً (للعلم الشرعي) المطهر، ومخرجات مؤسساته التعليمية، وقد يؤسس لفكرة التقنين الدنيوي بعيداً عن أغراض الشريعة المطهرة وغاياتها، وبلغ الحماس أوجَه في هذا الصوب حداً أوصله إلى التنديد به عبر بعض المنابر التي نادت بإلغائه لمبررات وغايات معينة.
2) أما الجبهة الأخرى فقد مثّلها بعض المتحمسين في بعض الجامعات الذين رأوا فيه تدخلاً مباشراً في المهمة الجامعية واقتحاماً مباشراً لحماها الأكاديمي، لأنه يوظف منهجاً علمياً وأكاديمياً محترفاً كمّاً وكيْفاً، ويمنح الخريج بعد سنتين كاملتين من الجهد الشاق شهادة (الماجستير) الأكاديمية، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن المعهد ليس سوى مؤسسة تدريبية لموظفي الدولة، وليس كياناً أكاديمياً يمنح الشهادات المعتمدة وهو أمر تنفرد به الجامعات وحدها دون غيرها.
((وللحديث صلة))