بقي من عمر هذا العام الميلادي 2012 أقل من يومين، ثم يعود العالم إلى نقطة البدء في عام جديد، ويقف الناس متسائلين، كل في مجال تخصصه الشخصي وأحلامه وطموحاته ورغباته: هل سيكون عاما أفضل من سابقه تتحقق فيه الأحلام ويعوض فيه المفقود والمفتقد؟ ويستجد ما يملأ القلوب بالبهجة؟ ويجد كل فرد ما يتوق إليه؟
أتمنى أن يكون القادم 2013 أفضل من هذا الراحل المحمل بوزر 2011 والمنذر، وهو يودعنا، بمزيد من أزهار قانية الشوك في كل أرجاء العالم.
المسيحيون وأغلب سكان العالم يحتفلون بنهاية العام عند دقات الساعة الثانية عشرة. والغالب أن ليس لدينا في منطقتنا ما نحتفيه تحت أي دين أو فئة نصنف أنفسنا. والغالب أن كثيرين سيجدون طريقة لاختلاق واقع افتراضي حاضر أو قادم ليختلقوا مبررا للاحتفاء والتفاؤل. وسترتدي الفتيات أجمل أحذيتها!
لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا تفاؤل، ولو بوهم يختلقه.
في أسطورة سندريلا «بنت الرماد»، الفتاة تكافح بؤس واقعها باللجوء لحلم بهجة افتراضية مدعومة بتخطيط جنية طيبة قادرة على تطويع واقع القرع والفئران، لتخلق بالإيهام مظهر الترف الذي يليق بأميرة مستقبلية في مشروع «عرس» واعد، لو تحقق بحذافيره ومحاذيره. وعلى سندريلا أن تغادر قاعة قصر الحلم الافتراضي لتعود إلى أرض الواقع قبل انتهاء دقات الساعة الثانية عشرة معلنة انتصاف الليل وبدء اليوم الجديد.
في الحقيقة، ليست هناك نقطة حقيقية تفصل بين عام وآخر، بل إن الساعة المحددة بتطابق العقربين عند منتصف تلك الليلة ستختلف من موقع جغرافي إلى آخر، فتعلن بدء العام الجديد في أستراليا قرابة ثمان ساعات قبل أن تعلنها ساعتنا في مكة، وسينتظر مبتعثونا في لندن ثلاث ساعات أخرى قبل أن تعلن بيج بن انصرام العام، بينما ينتظر طلابنا في أمريكا ثماني ساعات. وفوق ذلك فقاطنو أستراليا وكل دولة تقع تحت خط الاستواء من قارتي إفريقيا وأمريكا الجنوبية يعيشون هجير فصل الصيف ونحن في الشمال نعيش في الوقت ذاته عز الشتاء القارس. فلا ساعاتنا تتطابق معهم ولا فصولنا.
الزمن الواقعي إذن حالة افتراضية يحددها موقع الشمس فوق رؤوسنا ونتفق عليه مع مجموع من الناس يصدف أن يكونوا في موقعنا الجغرافي في أية لحظة.
أما الزمن الآخر، الزمن الانفعالي، الذي يحدد موقع حالاتنا الذهنية وطموحاتنا وإحساسنا ومقارنة مواقعنا بمواقع الآخرين أمما ودولا وأفرادا؛ تقدما أو تخلفا، سعادة أو اكتئابا، نجاحا نهنئ أنفسنا عليه أو فشلا يملؤنا بالتأسي لأنفسنا أو خجلا منها؛ فهو مسألة أخرى، حيث هو زمن معنوي يكمن في المقياس الذي نشاء أن نختاره لقياس: أين نحن منهم أو هم منا؟.
هنا يصبح لمعنى ابتداء عام بانتهاء آخر مضمون عاطفي -كعودة سندريلا من الحفل إلى فراشها على أرض المطبخ -، إذ يعني أننا عند نقطة عينَاها للتوقف، ولو للحظة، وإعلام أنفسنا بانتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة، وضرورة تفقد ما أنجز أو لم ينجز خلال الأولى، لنعرف ما يتوجب أن نفعل في التالية.
كل نهاية هي فرصة بداية جديدة والبدايات تحمل فرصة تغيير الوجهة وتحديد موقعنا من مدى تحقيق أهدافنا السابقة، دولا وأفرادا، هل وصلناها أم لا. ثم التحديق في السؤال الأهم: إن كنا لم نصلها فما السبب. وإن كنا وصلناها فما هي الخطوة اللاحقة بعد هذه النقطة؟
سنوات عديدة تمر قبل أن يدرك الصغار أن العالم الافتراضي في حكايات الأطفال لا ينتمي إلى عالم الواقع الحقيقي إلا عبر خيال واسع. وأن الجنية التي تحول الفئران والضفادع والقرع إلى خدم وحشم وسيارات لامبرغيني هي ترميز للإرادة في أعماق الذات.
هي فرصة لأقول كل عام وأنتم بخير. ولأذكر كل فتاة حالمة من بناتنا في أي بقعة من بقاع الأرض: هل ستظلين مكتفية بحلم سندريلا وفردة حذاء زجاجي منتظرة أن يأتي رسول يتأكد أن حجم قدمك مناسب؟ أم ستقررين أن الأسرع والأضمن هو أن ترتدي حذاء مريحا وتدعي فريق عمل للاجتماع لتحقيق مشروع ناجح لا يتطلب الهرولة من قاعة الأفراح مطاردة بدقات ساعة الفصل بين مراحل العمر؟.
و أسأل كل شاب يرى في أعماقه استحقاق دور النبيل الثري الذي إلى قصره تتقاطر الراغبات في رضاه: هل ستكتفي بأحلام اليقظة في انتظار أن تجد تلك «الوظيفة الرائعة « ذات تفاصيل واضحة متميزة تفتح بوابة مستقبل براق الوعود؟ أم ستستبدل حلم الحفل باجتماع مع زملائك لتضعوا خطوط مشروع يبدأ صغيرا ويكبر معكم وبجهودكم إلى شركة مساهمة مثمرة بالإيرادات؟ أي إهدار للعمر واحتمالات المستقبل ان نكرر وقفاتنا ننتظر دقات الساعة، لا نتعظ من رموز وحكمة حكايات الماضي، بل لنرسِخها بعقلية طفولة إتكالية حالمة؟