في يوم بهيج، يسجله التاريخ، وتحتفظ به الذاكرة، ويقول فيه كل مواطن ما يستحق من قول جميل، بوصفه من أيامنا الخالدة، بما حمله من بشائر الخير، وتباشير الإنجازات، ولأنه بكل هذا يتزامن -بفضل الأمن والاستقرار في بلادنا - مع حالة من الغليان والانفلات الأمني والظروف الاقتصادية الصعبة في دول عربية شقيقة حولنا. فما أسعدنا ونحن نستقبل أكبر ميزانية في تاريخ البلاد، وقد تم تبويبها وتوزيعها بعدل ومساواة على مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها ومدنها، ووفقاً للأولويات التي اتفق الخبراء والاستشاريون والمختصون على أن تكون ضمن بنود ميزانية عامنا المالي الجديد.
***
ولعله من حسن الطالع، والتوفيق والرضا من ربٍّ كريم، أن تتنامى مداخيل المملكة المالية، وأن تشهد ميزانياتها سنة بعد أخرى في عهد خادم الحرمين الشريفين هذه الزيادات الكبيرة المطردة في الإيرادات، وأن توظف المصروفات في البناء والتعمير وخدمة الإنسان صحياً وتعليمياً، وأن يكون هذا التطور الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة شاهداً على حسن القرارات التي تُتخذ للإنفاق على المشروعات المهمة، ضمن السعي الدائم والمستمر لاستكمال كل متطلبات بناء الدولة العصرية الحديثة.
***
ولا مجال للقول عن الميزانية الجديدة بأكثر من أنها جاءت لتلبي متطلبات الوطن والمواطن بأرقامها الكبيرة، ونوع مشروعاتها وطريقة تبويبها وشمولها على كل ما كان يمثل هاجساً لدى المواطنين، باهتمامها وعنايتها بالتعليم والتدريب والتوظيف والإسكان والخدمات البلدية، ومعالجتها للدين العام، كعلامة بارزة على الاهتمام بما يحقق الرفاه للمواطنين، والحرص بالتزام نحو تحقيق الدولة لكل ذلك وفق ما وجه به الملك عبدالله بن عبدالعزيز الوزراء والمسؤولين إثر إقرار مجلس الوزراء برئاسته لها.
***
ولا ينبغي - وخادم الحرمين الشريفين يعلن عن الميزانية - أن يستهان بالمصروفات التي ستبلغ ثمانمائة وعشرين مليار ريال خلال العام المالي الجديد، أو ينظر إليها على أنها حدث عابر، إذ إنه يعني - كما قال الملك في كلمته - استمرار الإنفاق على البرامج والمشاريع الداعمة لمسيرة التنمية والتطوير، لما فيه خدمة الوطن وشعبه الأبي، وذلك بتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين، والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم، لأن التنمية البشرية والاستثمار في الإنسان - كما يقول الملك - هو الأساس والضرورة للتنمية الشاملة، ولهذا كان هذا الكم الكبير من المشروعات التي تم اعتمادها في الميزانية.
***
ووفق هذه الرؤية للملك عبدالله، فقد جاءت الميزانية كسابقاتها تقوم على التوازن بين المناطق تنميةً وتطويراً، مع الحرص على الإصلاح المالي والاقتصادي، والاستخدام الرشيد للموارد، وعلى أن يجاريه ويسير بمحاذاته تأمين احتياطي كبير مثلما كان يتم خلال السنوات الماضية، بينما كانت المملكة قبل عشر سنوات دولة مدينة بأكثر من ستمائة وخمسة وثمانين مليار ريال، وأمكن - بفضل الله - أن تتعامل معها الدولة بتقليص هذا الدين العام إلى ما يقل عن مائة مليار ريال، مع توفير احتياطي يستثمر استثماراً صحيحاً وحذراً، وهو ما نراه حين نستعرض هذه الميزانية ونقارنها بما سبقها من ميزانيات.
***
على أن الأهم -ونحن نتصفح الميزانية الجديدة - ما قاله الملك عبدالله للوزراء من أنه «لا عذر لكم بعد اليوم في تقصير أو تهاون أو إهمال، واعلموا بأنكم مسؤولون أمام الله - جل جلاله - ثم أمامنا عن أي تقصير يضر بإستراتيجية الدولة التي أشرنا إليها». بمعنى أن القيمة الحقيقية للميزانية بكل بنودها لا تتحقق إلا حين يتم الالتزام بالتوجيه الملكي الكريم المشار إليه دون أي تقصير أو إهمال، وهذا هو مبلغ الأمل والثقة بكل المسؤولين.
***
بقي أن نحيي عالياً خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان على هذا الاهتمام غير المستغرب، وعلى هذه الرعاية الكريمة بمصالح الشعب وخدمة الدولة، وأن نشكر وزارة المالية ممثلة بوزيرها الدكتور إبراهيم العساف وكل من عمل معه وتعامل مع توجيهات معاليه في وضع هذه الميزانية بهذه الصورة والشفافية والوضوح لتمكين المواطن من إبداء رأيه فيها وقراءة وتحليل مضامينها من قبل المختصين، بأمل أن يتم استثمارها والاستفادة منها بما يعود - إن شاء الله - بالخير الوفير لوطننا ومواطنينا.