لا شيء يؤلم الإنسان المسلم المعتدل مثل الإساءة لهذا الدين، ويكون الإيلام أشد قسوة عندما تصدر هذه الإساءة من أتباع الدين نفسه، لا من أعدائه، وقد رأينا من ذلك عجبا خلال الفترة الماضية، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في ذلك إلى حد كبير، فقد أتاحت التقنية لكل أحد أن يعبر عما يختلج في نفسه بلا قيود، فتويتر -مثلا-، عبارة عن قناة خاصة تبث على الهواء مباشرة طوال الوقت، وبلا مقابل، وهناك بون شاسع بين التقنية ذاتها، وبين بعض مستخدميها من الجهلة، ولذا تكون النتائج كارثية إلى حد كبير.
قرأنا فيما مضى عن إساءات عنصرية ومناطقية بذيئة، وتهجم على مواطنات ومواطنين مشهود لهم بالتميز والصلاح، وبلغ الأمر ذروته بالإساءات إلى الدين والرسول عليه السلام، ولكن الأسبوع الماضي كان مختلفا كماً ونوعاً، فقد شهد حادثتين يحسن التوقف عندهما طويلا، ففي الأولى، تهجم أحد المحسوبين على الاحتساب على واحد من أفضل المسؤولين في تاريخ البلاد، الذي تميز بالنزاهة، والإخلاص، والصدق، وحسن الخلق، وأعني هنا الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، الذي أحب هذه البلاد وأهلها، فبادلوه حبا بحب، وقد تألم الجميع لأن هذا المحتسب المزعوم أساء إلى القصيبي وهو بين يدي رب رحيم، وهي مخالفة شرعية صريحة أفتى فيها كبار علمائنا الأفاضل، وماذا بعد؟!
كان المتوقع أن يتحرك علماؤنا، الذين يعتد بعلمهم للرد على هذا المحتسب، لا دفاعا عن المرحوم غازي القصيبي فحسب، وإنما دفاعا عن جناب الدين، فرسولنا عليه أفضل الصلوات والتسليم يقول «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»، وما فعله هذا المحتسب المزعوم يعبر عن كل تلك المعاني، ولكن يبدو -للأسف الشديد- أن العالم المعتدل أصبح يخشى سطوة الدهماء من الجماهير، وأصبح يخاف من المتشددين من أمثال هذا المحتسب، وكأنهم لا يعلمون أن هذا يدخل في باب كتمان العلم، ولكن هذا هو الحال في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم، وأصبح لا شيء يعلو فيه على صوت التشدد والانغلاق.
وقبل ذلك بأيام، حصلت إساءة أخرى كان بطلها مذيعاً مغموراً في قناة طائفية، فقد تمت استضافة الشيخ حسن المالكي لمناظرته من قبل الدكتور إبراهيم الفارس حول بعض آرائه الجدلية، وفوجئ الجميع بأن المذيع يقطع المناظرة، ويعلن نهايتها على غير المتفق عليه، ثم يلقي خطبة عصماء يهجو فيها حسن المالكي، فما فعله كان نوعا من الغدر الذي لا يقره الدين، وهنا أساء للدين إساءة بالغة، فيا ترى متى سيتحرك أهل العلم الحقيقيين للدفاع عن هذا الدين، أو على الأقل للمساهمة في إيقاف الإساءات إليه من قبل «الجهال»؟!.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2