في الأسبوع الماضي نشر على الصفحة الأولى من إحدى الصحف خبر بعنوان (200 محتسب يهدّدون وزير العمل: سندعو عليك بـ»السرطان» في الحرم)، وقد تألّمت كثيراً أن يصل مستوى النصح والاحتساب إلى هذا الحد، وأن يكون حوارنا مع بعضنا البعض ومع المسؤولين بهذه الطريقة التي لا تليق بأن تتم مع غير المسلمين فكيف بها مع إنسان مسلم.
وقد أورد الخبر بأنّ هناك تنسيقاً مسبقاً بين الحضور، الذين جاءوا من مناطق مختلفة ومن قطاعات متنوّعة إلى وزارة العمل حاملين رسالة واحدة محورها إقناع الوزير بمنع النساء من العمل في عدد من القطاعات، وموجّهين أصابع الاتهام له بأنه خالف أعلى سلطة شرعية في المملكة ومتوعدينه بالدعاء عليه في الحرم بأن يصيبه مرض السرطان مقدمين له مهلة شهر قبل اللجوء بالدعاء عليه - كما ورد في الخبر -.
والمطالبات التي قدمت لمعالي الوزير من المحتسبين لمنع النساء من العمل، هي مطالبات قائمة على مبادئ صحيحة تهتم بالمحافظة على أعراض النساء وحمايتهم من التحرّش والابتزاز، وعدم السماح لهن بالعمل دون موافقة ولي الأمر، ووجودهم في خلوة مع المشرفين، وكل ما ذكر قد يكون صحيحاً، وقد تكون هناك مخالفات موجودة اليوم في سوق العمل تتعلّق بتلك المبادئ، وقد تكون هناك أخطاء موجودة فعلاً، وقد نلاحظ مثل هذه الأمور في كثير من الأسواق والمتاجر التي قامت بتوظيف السيدات وخصوصاً في المدن الرئيسية، ولكن مع كل ذلك هل العلاج هو الدعاء على الوزير واتهامه بهذا الأسلوب.
إن المرأة التي تعمل هي البنت والأخت والزوجة والأم، وجميعنا غيورون على محارمنا وأعراضنا، ومن تلجأ للعمل منهن فهي تعمل ليس من باب الترف ولكن من باب الحاجة للعمل، وإذا سمح ولي الأمر بهذا العمل وفق الضوابط والمعايير الشرعية، فعلى المسلم الغيور أن يسعى لأن يطبق تلك الضوابط والمعايير بالشكل الصحيح، كما على الجهات التنظيمية أن تضع القوانين الرادعة لتجاوز تلك الضوابط بحيث يتم تطبيقها مباشرة في حال تجاوزها.
وإذا كانت هناك مخالفات أو أخطاء في أي مكان، فمن الصعب أن يأتي أفراد المجتمع ليقوّموا ذلك الخطأ بأنفسهم، والحل الطبيعي والصحي أن يلجأوا للجهات القضائية والشرعية لإنصافهم، فهي الجهة التي تحكم بين الناس إذا اختلفوا، كما إن هناك جهات أخرى مثل القضاء الإداري الذي يصدر القرارات ضد الوزارات والإدارات الحكومية، ولاشك بأنّ النصح مهم وواجب ولكنه في نهاية المطاف يأتي ليعبر عن وجهة نظر صاحب النصيحة، ورؤيته التي لها احترامها ومكانتها وتقديرها لكن بدون أن يكون هناك إجبار أو إلزام بتنفيذ تلك النصيحة.
لا خلاف على وجود أخطاء ومخالفات في تطبيق قرار ولي الأمر بتوظيف النساء، ولكن أسلوب معالجة الخطأ لا يأتي بخطأ، ولا يأتي من خلال التجمُّع في الوزارة وتوعّد الوزير بالدعاء عليه بالسرطان في الحرم وإمهاله شهراً لذلك إن - صحّ ما جاء في الخبر -، ولو كل قرار يتم صدوره من قِبل مجلس الوزراء يلقى مثل هذه التصرفات لانتشرت الفوضى وعمّ الخلل مختلف الجهات الحكومية، وأصبح كل من يريد أن ينصح يقوم بحشد مؤيديه ويذهب إلى الوزارة المعنية ويواجه الوزير بالنصيحة في ذلك الحشد، فإن لم يقبل يهدّد بالدعاء عليه وهذا منتهى الفوضى.
إننا ولله الحمد نعيش في وطن يحرص المسؤولون فيه على تطبيق شرع الله، كما يحرصون على الاستماع إلى كل ما يأتيهم من نصح، وقد أكد وزير العمل هذا الأمر من خلال تأكيده على وجود تلك المخالفات وعدم إنكاره لها، كما أكد بأنّ القرارات الصادرة تراعي شريعتنا وخصوصيتنا، وأنّ الوزارة تعمل على معالجة ما وجد من أخطاء من خلال تعيين مشرفات متفرغات لمراقبة العاملات في المراكز التجارية، كما وضعت هاتفاً مجانياً وبريداً إلكترونياً لبحث كافة الشكاوى الخاصة بالممارسات الخاطئة والتعاون لإيجاد حل مناسب لها.
إن المنع والإلغاء والإيقاف هي أسهل الحلول لمعالجة الأخطاء التي قد تصدر من نسبة قليلة جداً من المخالفين، ويحرم بذلك الأغلبية الملتزمة بالضوابط، والأفضل هو وضع الحلول الصحيحة التي تساهم في منع المخالفات ورصد العقوبات لمرتكبيها، وفي نفس الوقت تعميم النفع لمن يلتزم بالقرارات ويطبقها بالشكل الصحيح.