“من باب الأمانة في القول والنقل أعترف بأن الدَّوْلة -جزاها الله خيرًا- لم تقصّر بتاتًا معنا كـ”لقطاء”. فقد قامت بتهيئة المكان الآمن ووفرت جميع وسائل الراحة لنا كأطفال “مجهولي الأبوين” لكن تكمن المشكلة في التنفيذ وليس في التشريع، وتتمثّل في فريق العمل الذي يعمل بالدَّار وفي الأسلوب الذي تدار به الدَّار، فمعظم من يعمل في الدَّار لا يملكون معايير التَّعامل الإنساني الأمثل مع أطفال الدَّار” هذه الأسطر وردت في رواية “سعودي ولكن لقيط” للكاتب السعودي سمير محمد عن دار مدارك للنشر 2012م، هذه الرواية حقيقية بأحداثها المحزنة، لكن مؤلفها اسمه مستعار لأنّه صاحب القصَّة التي عاش مراحلها الحزينة منذ طفولته إلى وقته الحاضر، وتجسيده لمعاناته باسم مزيف له أسبابه النفسية التي لا مجال لمناقشتها، خاصة أن مجتمعنا قبليٌّ ولا يرحم الوضوح والشفافية فيما يخص جانب الحسب والنسب، وهذه كانت معاناتنا في وزارة الشؤون الاجتماعيَّة من خلال تعديل النظرة الدونية لأطفال المؤسسات!
فالمتابع لفصول الرواية يدرك المعاناة التي تواجه هذه الفئة في مجتمع يغربل هويتك الاجتماعيَّة كمثال “من أنت، من أبوك، وش يقال لكم”! وغيرها من الأسئلة الاستفزازية والغالبة على حياتنا الاجتماعيَّة في المجتمع الذكوري والنسائي! فهذه الموروثات الاجتماعيَّة الخاطئة والمؤلمة لفئات كثيرة وخصوصًا “من يجهلون مرجعيتهم القبلية” تمتد بآثارها السيِّئة في التَّعامل معهم حتَّى مع المحيطين بهم في البيئة المؤسسية!
وهذا ما تناوله الكاتب في الفقرة السابقة التي استشهدت بها، لكي أؤكد بأن الوزارة بإدارتها الخاصَّة لرعاية الأيتام، وفروعها المختلفة للنساء والرِّجال، تسعى جاهدة لتوفير الحياة الكريمة لهم، والتخفيف من المعاناة النفسية التي يواجهونها وخصوصًا عندما تستيقظ مداركه العقلية والنفسية بأنّه يتعامل مع مصادر مُتعدِّدة في التَّربية والتَّوجيه والمبيت ليلاً، وعدم ثبات العاملين معهم خلال سنوات حياتهم مما كان له الأثر النفسي السَّيئ على ثباتهم واستقرارهم السلوكي!
هذه العوامل المؤسسية السيِّئة كافحنا كثيرًا وعانينا لكي نقلل من حدتها واستمراريتها حرصًا على استقرارهم النفسي لكن لم نصل لتلك النتائج المرجوة لأنّه مهما تعدَّدت الجهود فالثبات في الكوادر خارج عن إرادة الوزارة والجهات الإشرافية!
لكن الذي هو باستطاعة الوزارة ومن صلاحياتها المطلقة بأن تختار القيادات التربويَّة الناجحة لإدارة الدوّر التي تأويهم، وباستطاعتها بلا شكَّ تغيير من لا يثبت نجاحه وأمانته مع فئة تحتاج قبل كل شيء الخوف من الله سبحانه وتعالى في التَّعامل معها.
وحادثة أيتام جازان كانت أكبر دليل على أن الوزارة لا ترضى بالظُّلم على فئاتها ولا ترضى بالخطأ أن يستمر!
وتصريح معالي الوزير د يوسف العثيمين خلال هذا الأسبوع لأكبر دليل على أن قيادات الدور الإيوائية لا تأتي من السَّماء! وأن من يثبت عجزه في أداء عمله وتقصيره فهناك غيره من أبناء الوطن! وما تناولته الرواية من أحداث محزنة عايشتها كاختصاصية اجتماعيَّة ونفسية على مدى 12 سنة من العمل مع هؤلاء الأطفال!
أخيرًا أشكر الكاتب على تفاصيل روايته وصراحته التي لا بُدَّ أن تكون رسالة ودرسًا لِكُلِّ من يكتب الله له العمل معهم، وذلك للاستفادة من سيرة الكاتب الذاتية في أحداثها المؤلمة من حيث التركيز على تفاصيل البرنامج اليومي لحياتهم داخل الدَّار.
moudy_z@hotmail.com - moudyahrani@ تويترhttp://www.facebook.com/groups/381099648591625/- @moudyzahrani