مجدداً، يتحدث مسؤولون في وزارة التربية والتعليم عن مشكلة مزمنة تعاني منها الوزارة وهي وجود مقاومين للتغيير داخل الوزارة وخارجها. لكن هذه المشكلة التي تحدث عنها مؤخراً نائب الوزير الدكتور خالد السبتي ليست جديدة، فقد عانت منها الوزارة في عهودها المختلفة. ويروي الأستاذ حمد الجاسر في كتابه «من سوانح الذكريات» بإسهاب قصة المقاومة التي واجهتها محاولات تطوير التعليم في بدايات إدخال المناهج الدراسية الحديثة حين كان المرحوم الجاسر مسؤولاً تعليمياً في بعض مناطق المملكة.
ومثلما واجه الجاسر الكثير من المتاعب والتحديات، عانى الدكتور محمد الأحمد الرشيد التربوي المعروف ووزير التربية والتعليم الأسبق متاعب وتحديات كثيرة عندما حاول أن يُدخل بعض المفاهيم التربوية والتعليمية الحديثة.
ومقاومة التغيير في ميدان التعليم ظاهرة موجودة في كل مكان وليس عندنا فقط أو في الدول النامية؛ فلازالت هذه المقاومة موجودة في بلدان متقدمة كالولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية واليابان وإن كانت أقل حدة في تلك البلدان وذات منحى علمي بالدرجة الأولى وليس لأسباب اجتماعية صرفة.
لكن من يسترجع مسيرة التعليم يجد أن الكثير من الأفكار التطويرية التي كان يناضل الأستاذ حمد الجاسر، مثلاً، لتطبيقها قد وجدت طريقها إلى التنفيذ ولم تعد مجال خلاف في الوقت الحاضر. كما أن الكثير من المفاهيم التطويرية التي دعا إليها الدكتور محمد الرشيد وواجهت مقاومة شديدة عندما كان على رأس الوزارة قد تم تبنيها فيما بعد. ولذلك يمكن القول إنَّ التاريخ يعيد نفسه عندما يتعلق الأمر بمقاومة التغيير؛ فغالبية الناس جُبِلَتْ على مقاومة التغيير في البداية ثم تتأقلم بعد ذلك وتقبل التغيير بل وقد تُغَيِّر مواقعها من الممانعة إلى التأييد والحماس!
لكن مقاومة التغيير كظاهرة اجتماعية ونفسية تظل موجودة، وهي تأخذ في كل حقبة زمنية وظرف اجتماعي شكلاً مختلفاً. فما هو مقبولٌ اليوم لم يكن مقبولاً بالأمس، وما هو غير مقبولٍ اليوم سيكون مقبولاً في الغد. هذه سُنّة الحياة، وهذا ما درجت عليه المجتمعات في كل الأزمان. صحيح أن حدة المقاومة تختلف باختلاف الزمان والمكان لكنها موجودة طالما وُجِدْ الإنسان.
لذلك يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة بتطبيق الآليات العلمية والعملية التي يعرفها المتخصصون في دراسات التغير الاجتماعي. فنحن قد نتعرض لبعض الانتكاسات لكن التاريخ يعلمنا أن النجاح سيتحقق في نهاية المطاف. وبهذا يكون التحدي هو كيف نختصر الزمن ونحقق التطوير والتغيير دون أن نُعَرِّض النسيج الاجتماعي للتمزق بسبب التجاذبات الاجتماعية التي قد تكون في منتهى الحدة في بعض الأحيان.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض