بشار تحت ظلال سيوف الثوار، هذه هي ملامح الصورة المكبرة الآن في دمشق؛ فالمعارك تحتدم قريبا من قصره؛ وحي المهاجرين العريق الذي يقع فيه القصر قد وضعت فيه الحواجز والسدود وأغلقت المنافذ التي تصل بين شوارع الحي أو المؤدية إلى القصر، ويسيطر الجيش الحر الآن على ثلاثة أرباع العاصمة دمشق تقريبا، وأكمل هيمنته على مخيم اليرموك الفلسطيني، ومعظم ريف دمشق يقع تحت هيمنة الثوار، وكذلك ما يقرب من تسعين في المائة من بقية الأراضي السورية، وقد استشعرت العصابات الدولية المؤيدة استحالة الدفاع عن نظام يتهاوى بسرعة خارجة على حساباتهم وتقديراتهم؛ فلم تجد طائرات الميج الروسية، ولا الصواريخ الصينية، ولم يفلح الشبيحة الإيرانيون، ولا المجرمون القتلة من حزب الله بإشراف مباشر من المدعو حسن نصر الله، ولم توقف الغازات السامة التي أحرق بها أجساد السوريين في درعا وحمص شيئا في فت عضد المقاومة؛ والحق أن جيش بشار المسمى بجيش أبو شحاطة كما يطلق عليه السوريون لم يكن يواجه الثوار إلا في نقاط قليلة محدودة؛ بل يصب جام غضبه وعدوانيته وحقده الطائفي المتأجج المبرمج على المدن والقرى المدنية التي لا تؤوي مقاتلين، ولا يملك سكانها غير حناجرهم الرافضة بطش النظام ودمويته وتسلطه، وآخر المجازر الدموية ليست مذبحة الأطفال الشهيرة ولا مجزرة جسر الشغور، ولا مذبحة جامع مخيم اليرموك، ولا تدمير حماه أو حلب أو درعا أو الرستن في حمص؛ بل ذلك الطابور الطويل من سكان مدينة حماة المعروفة بمجزرة الخبز في حلفايا التي وقعت مأساتها قبل يومين وراح ضحيتها ما يقرب من خمسمائة شهيد وأكثر من ألف وثلاثمائة جريح، ثم استخدام جيش أبو شحاطة الغازات السامة في حمص؛ بحيث يختنق السكان من غاز «السارين» السام ويموتون فورا؛ ولم تحرك أمريكا ولا الدول الكبرى ساكنا، أو تستنكر على الأقل ما يحدث من جرائم مروعة؛ خاصة أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حذرت من استخدام الغازات السامة، وقالت في تصريحات متكررة: إن استخدامها خط أحمر! ولكن يبدو أن الخط الأحمر سيشتعل لو استخدم النظام المجرم الغازات السامة قريبا من حدود إسرائيل! فالخوف والتهديد والوعيد لم يكن من أجل الشعب السوري المظلوم الذي يذبح بأيدي الدول الكبرى المتواطئة على ذبحه وتدميره؛ بل من أجل حماية إسرائيل وإبعاد آثار المعركة الدموية عنها .
لقد تكشفت غايات وأهداف التواطؤ العالمي القذر، فقد اتفق الأمريكان والروس على هدفين مهمين بالنسبة لهما: أمريكا حماية إسرائيل وإضعاف وإنهاك أي بعد عربي شعبي محيط بدولة إسرائيل قد يهددها في أي وقت، ولذا تركت أمريكا الحبل على الغارب لنظام بشار كي يدمر البنية التحتية للشعب السوري، وبعد أن ينتهي من مهمة التدمير تبحث له عن مخرج آمن؛ لأنه أدى دوره المطلوب منه بكل إخلاص؛ فقد تخلص من آلاف البشر، وهجر مئات الآلاف، واعتقل وعذب مئات الآلاف، وأنهى قوة البلد الشعبية، فلم يبق من سورية مدينة أو قرية إلا وهي ركام، فلا مصنع ينتج، ولا مدرسة تعلم، ولا متجر يبيع، وعادت سورية إلى مرحلة ما قبل العصر الحديث، مثل العراق تماما، فالرئيس أوباما يكمل الخطة المدمرة التي بدأها بوش الأب ثم الابن بتدمير أكبر قوة عربية وسحق القوة الشعبية في العراق، والهلال المحيط بإسرائيل لابد أن يتم تدميره لتأمن دولة اليهود على نفسها، فلا يجاورها إلا شعوب مطحونة وأنظمة متهالكة، ومناطق نزاع وحروب أهلية، وقد تكون مقسمة بين الأقليات كما هو العراق، الذي سلم للفرس وللأكراد، وكما سيحدث في سورية التي ستقسم بعد أن يسقط نظام بشار بين الأقليات أيضا، كما هي خطة سايكس بيكو الجديدة التي وضع خطوطها العريضة هنري كسينجر بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م «تفتيت المفتت وتقسيم المقسم». أما روسيا فإنها تجد في تنامي أية قوة مقاومة إسلامية خطراً عليها يهددها حتى من بعيد؛ فقد أذاقتها المقاومة الإسلامية الباسلة في أفغانستان والشيشان الأمرين، وهي الآن تصب جام غضبها وانتقامها على الشعب السوري الذي أفرز مقاومته وفصائله ذات التوجهات الإسلامية كما صرح بذلك وزير خارجيتها «سيرجي لافروف»... يتبع
moh.alowain@gmail.commALowein@