يعود الممارسون الصحيون السعوديون مرة أخرى لممارسة حقوقهم المكفولة من قبل الدولة في المطالبة بتعديل سلم الكادر الصحي الجديد أو إلغائه، وقد كان ولا زال سلم الكادر الصحي مداراً للحوار والجدل منذ تم إقراره، ولا زالت الآمال في أن يُنظر للأمر من خلال مصلحة الوطن ومستقبل العناية الصحية، فالكادر الجديد الذي تم تعميمه على مختلف المستشفيات والمؤسسات الطبية جاء في صفحة واحدة، بينما يختلف الأمر عنه في الدول المتقدمة، والتي تضع كوادرها المهنية للتخصص الواحد في مجلدات، وذلك لاختلاف التخصصات، وندرتها مع مراعاة سوق العمل وعوامل الإنجاز والإبداع.
الكادر الصحي الجديد هو نفس القديم، والذي كان من بقايا البيروقراطية القديمة التي ورثناها من بعض الدول المجاورة، والتي كانت تتعامل مع المهن من خلال منطق اشتراكي مستورد من دول أوروبا الشرقية، والتي تعاملت مع المهن من خلال حد المسطرة بغض النظر عن الاختلاف في نوعية العمل ومساحة الإبداع، وكانت النتيجة فشلاً تنموياً ذريعاً، والاختلاف في السلم الجديد كان فقط في تعديل الأرقام فقط على نفس الصفحة وبنفس المصطلحات، كما أنه يجعل من العلاوات السنوية ثابتة مثل بقية كوادر الخدمة المدنية التي تُطبق على الأجهزة الحكومية، وفي ذلك قتل للحافز والإنجاز على المدى القريب، ويكون الخاسر الأكبر على المدى البعيد هو مستقبل العناية الصحية في الوطن.
لكن لماذا أصبح الأمر في غاية الصعوبة لتعديله أو إلغائه، ولماذا تدور مطالبات الممارسين الصحيين في دوائر ليس لها نهاية؟ الأمر ببساطة أن معالي الوزير -حفظه الله- له وجهة نظر في الأمر، وقد أوضحها في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي المميز داود الشريان في برنامج الثامنة، وتحدث حينها عن مبدأ العدالة والمساواة في الكادر الصحي، ويتداول الممارسون الصحيون حقيقة أن موقفهم في غاية الصعوبة في قضية قرار تطبيق سلم الكادر الصحي لوزارة الصحة على المستشفيات المتخصصة غير التابعة لوزارة الصحة، فمعاليه يقف في المرحلة الراهنة على رأس هرم الجهاز التنفيذي كوزير للصحة، وفي نفس الوقت يرأس مجلس الخدمات الصحية الذي يعد مصدر التنظيمات للممارسة الصحية في المملكة، ويعد هذا الجمع غير صحي، وسيكون من الأنسب أن يتم فصلهما، وأن لا يكون معالي وزير الصحة والذي يمثل رأس الجهاز التنفيذي الصحي، هو رئيس مجلس الخدمات الصحية الذي يصدر التشريعات والتنظيمات الصحية، وذلك لئلا تسيطر وجهة النظر التنفيذية على التنظيمات التشريعية.
أيضاً كثيراً ما يردد منسوبو مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث أن المستشفى مؤسسة عامة، ولا يجب أن يخضع منسوبوها للقرار، لأنه يتبع لنظام المؤسسات العامة في المملكة، مثل مؤسسة التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتعليم المهني والخطوط السعودية وغيرها؛ إذ يمنحهم النظام حق إعداد سلالم الرواتب لمنسوبيهم، ويعفيهم من الارتباط بنظام الخدمة المدنية الحكومي، وتظهر الآثار السلبية بوضوح في ما يحدث الآن في المستشفى من تناقض، إذ يتمتع غير السعوديين بالسلم الصحي الخاص بالمؤسسة، كما يتمتع أيضاً المنسوبون الإداريون والمهندسون والخدمات العامة بكوادر خاصة بالمؤسسة، بينما يُستثنى الممارسون الصحيون السعوديون من أنظمة المؤسسة العامة ويُطبق عليهم سلم وزارة الصحة، وذلك بسبب إدخال اسم مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في تطبيقات القرار، لكن ما يجعل من مهمة الممارسين الصحيين في مستشفى الملك فيصل التخصصي صعبة للغاية في المطالبة بحقوقهم المشروعة حسب نظام المؤسسات العامة، أن معاليه أيضاً هو رئيس مجلس إدارة مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.
في نهاية الأمر لا شك أن معالي الوزير الدكتور عبدالله الربيعة -حفظه الله- يمثل أحد النجاحات السعودية في مجالات الإنجاز الطبي، ويتضح للجميع أن له رؤية خاصة في مسألة الكادر الصحي ومخالفة لما يطالب به الممارسون الصحيون في المستشفيات غير التابعة لوزارة الصحة، لكن وجوده على رأس الهرم التنفيذي والتشريعي في الخدمات الصحية يضع الممارسين الصحيين في المستشفيات غير التابعة لوزارة الصحة في خانة الخاسر على طريقة الخصم والحكم، والله على ما أقول شهيد.