بادئ ذي بدء في حقيقة الأمر لن أعرج على تاريخ إيران من الناحية السكانية والجغرافية والدخل القومي لها والمكانة العسكرية في المنطقة وما شابه ذلك، كما يفعل بعض الكتَّاب في التمهيد للكتابة عنها كأن في الأمر جديداً، وهنا أحب أن أقف على ما ذكره د. سعد بن عبدالقادر القويعي في عدد الجزيرة الصادر يوم الأربعاء 21-1-1434هـ برقم 14678 حيث أجاد الأخ الكريم بطرح بعض النظريات المسلّم بها في واقع دولة إيران حيث التداعيات التصريحية التي تطلقها الدولة الصفوية بين الفينة والأخرى هو بحد ذاته تهديد للمنطقة ككل، وهذا أمر خطير للغاية إذا أخذ من باب الحرب الباردة، إن هذه الدولة الملتوية الأفكار التي لعبت دوراً بارزاً في تشتيت الرأي العام وجعل العالم في حيص بيص، الكل يدرك ما تقوم به خلف الكواليس من تدخُّل أو الوقوف على زعزعة الأمن داخلياً أو خارجياً من منطلق وضع الحروف على النقاط، يجب أن ندرك أن المحاباة وسياسة التكتيم قد ولّت وتبخرت في خضم الإعلام الحديث، هنا ندرك جميعاً ما لهذه الدولة التي جعلت من الإسلام شماعة لها تلقي على ظلالها التدخل والمشاركة في تغيير جذور الحكم في بعض الدول المجاورة وهذا غيض من فيض. لو نظرنا إلى تاريخ هذه الدولة اللا إسلامية نجد أنفسنا أننا نخوض في عالم الكذب والافتراء الذي لا نهاية له، فهي تتلاعب بالعقول من الناحية الدينية أو من الناحية السياسية فليس لهم رأي موحد أبداً، إن الخطر المحدق من جراء زعم الفرزدق لهؤلاء الذين جعلوا من الدول الأخرى ممراً لتمرير الأفكار والخزعبلات التي لا يقرها دين ولا عقل.
ولإيران أطماع عديدة في منطقة الخليج ولا يخفى ذلك على ذي لب حيث ظهرت جلياً في 30 من شهر نوفمبر عام 1971، ذلك عندما احتلت الجزر الموجودة في الخليج العربي التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالقوة العسكرية، حيث لهذه الجزر المكانة الاقتصادية والعسكرية على حد سواء، حيث تختزن الكميات الهائلة من النفط في امتدادها تحت المياه الدافئة، وليس الجزر آنفة الذكر فحسب، بل إنّ بسط نفوذها في الهلال الشيعي قد شكّل الخطر على المنطقة وهناك نوايا سلبية تسعى لها إيران في السيطرة على الضلع الجنوبي من الجزيرة كما هو حاصل الآن في اليمن، وليس هناك هدف من ذلك سوى نشر المذهب العقائدي الباطل، كما تزعم بذلك صفوة الكتب عندهم. وقد تجرأت مراراً في طرح نظريتها الكاذبة حول السلام المنشود مع إسرائيل ووقف التعاون معها بصفة أنها تمثل الإسلام وترى اليهود أعداء الإسلام، {... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}، فهم واليهود سواء ولا ينكر ذلك أحد. من يرجع إلى تاريخ هذه الدولة يجد أن لهم سطوة في تشويه صورة الإسلام منذ بزوغ فجر الإسلام، آنذاك وهم يحاكون التاريخ بأهوائهم وأطروحاتهم الشيطانية في نقض الأمور وتصوير دول الجوار بالأعداء، فعجب لهم في ذلك متى ما يرون المصلحة تدب في عروقهم حتى تجد التأييد والنصرة في ذلك. الواجب على دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية الاستفادة من الدروس المستقاة من التجربة التي واجهتها المنطقة مؤخراً في حرب الخليج وموقف إيران السلبي واللوجيستي وأهمية إعادة النظر والهيكلة في منظومة العلاقات السياسية على مختلف المستويات مع هذه الدول الصفوية.
ثمة ما نود الإشارة إليه هنا أيضاً هو التغرير بالخليج الفارسي الذي أشبعنا الإعلام الإيراني به كثيراً بعد تهميش واضح لبعض القوميات الأخرى على سبيل المثال الأكراد وكذلك العرب الأهواز من قِبل إصرار إيران إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخريج العربي. لو سلطنا الضوء بشكل سريع حول العلاقات والتعاملات السرية بين إيران والدولة اليهودية، فيما عُرف بـ (إيران غيت) خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية 1980 - 1988 علمنا أنّ الدعم الشيعي (الرافضي) للقضية الفلسطينية، لم يتجاوز في كثير من الأحيان الدعم الشعاراتي الذي كان يصادمه الفعل، فكم سمعنا من جيوش المتطوعين التي تسجل أسماءها من الإيرانيين للاستشهاد في فلسطين، دون أن نرى تطبيقاً عملياً لذلك.
ومن أبرز العوامل السياسية التي أزمّت العلاقات بين إيران والعالم الخارجي حيث تم ذكرها آنفاً ولكن من باب الترتيب حتى يتسنى للقارئ ترتيب الأفكار من ذلك وهي على النحو التالي:
1 - نهضة الشيعة (الرافضة) في البلدان الإسلامية، وذلك أن نجاح الثورة أعطى الشيعة خارج إيران دفعة معنوية، وتطلعات تفوق أحجامهم وعددهم، كما تمثل ذلك من سطوع نجم الشيعة في لبنان ممثلاً بحزب الله، وثورات الشيعة في الخليج كما حصل في البحرين مؤخراً.
2 - نشاط نشر التشيع في أواسط السنّة، ولا تخفى الأهداف التي تتستر إيران من ورائها لنشر التشيع، حتى في البلاد العربية وغيرها من دول العالم.
3 - المواجهات بين السنّة والشيعة في أماكن مختلفة من العالم مما جعل الكثير يدرك أنّ هذه الدولة بحد ذاتها تريد أن تحكم العالم بمباركة التأييد العالمي لها لمصالح سياسية كما فعل بذلك بأشياعهم من قبل.
4 - الصراعات الداخلية في إيران ونقصد بذلك الظلم والاضطهاد الذي تعرّض له أهل السنّة في إيران خاصة أقاليم كردستان وأذربيجان الغربية وتركمانستان.
5 - النظام الإيراني يعزف عن استخدام مصطلحات الظلم والاضطهاد والتهميش ويرى ذلك من باب إخماد الفتنة.
6 - الهجوم الإعلامي الواسع للأنظمة العربية ضد الثورة الإيرانية حيث يرون ظهور الفتاوى والكتب التي تهاجم الشيعة وتفتي بتكفيرهم خارج نطاق العدل والإنصاف.
وفي الختام الرأي نحب أن نسلط الضوء على أحداث الساعة وهي العلاقة بين إيران والنظام السوري الذي ارتكب أبشع المجازر بالإخوان والشعب السوري على حدٍ سواء، وكذلك التعامل الإيراني على أرض الواقع ما يتوافق مع مذهبها ومصلحتها كالتعاون مع أمريكا في إيران غيت وتأييد مذابح الفلسطينيين في لبنان ومذابح الإخوان في سوريا.
وهنا يمكن ربط إيران بصورة مختصرة بهذه الآية الكريمة التي تجسّد حقيقة إيران ومذهبها قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: 103_ 104).
- عبد العزيز بن محمد الدريهم - الرياض