كنتِ تُعرِّفيننا المعاني.., وما يختبئ في تعاطيفها من دلالات..
صيَّادةٌ ماهرة لطرفة رموش الكلمات..
قنَّاصةٌ لمكامن الجمال ِ في لغةِ الكلام.., ولرهافة الدلالات فيها..
كنتِ تقرأين لنا.. فننقب معك، وفي خلواتنا عند النوم.., وعند النقاش، عن جديد نكتشفه وحدنا..
ننتظر الحلوى التي نحبها مكافأتكِ لمن يستخرج معنى جديدا، ورأيا مضافا..
رافقتنا كليلة ودمنة، والبخلاء، و..و..
وتلك الشذرات من مفارقاتكِ لنا بين نفوس البشر، ومشاربهم، وبين الحيوان، حتى الطيور, والفرسان, والسِّيَر.., والبطولات، والحروب الجاهلية..، والفتوحات وتلك الهوة بين الكفر والإيمان،
حتى القصيد كنتِ ترددينه على مسامعنا، حتى تعلقنا في إهاب رقته، وما أنخنا..
حتى الطرائف واللطائف، والكتابة وأساليبها مررتنا على جداولها فنهلنا..وعرفنا دروبها ومكامنها..!
تدرجتِ معنا نوَّارة في سلم المعاني، وجعلت الوقت يمر بنا في إبحار مشوق..فلم نعد نقول البذيء, ولا الصادم، ولا نخذل أحدا..فالكلمة مدرستكِ الفاضلة..
وأنتِ لم تخرجي من مدارس متطورة، ولم تقفي بين أيدي معلمات ماهرات في أحدث طرائق التدريس, ولا تعلمتِ من أجود الكتب الفاخرة طباعة، والعاكف عليها من اللجان ما لا تحصيه سجلات..!
كنتِ خلاصة «كُتَّاب» في منزل «الخوجة صبرية» تعلمكِ وقريناتكِ القرآن الكريم، وعلى اللوح الأسود تعيدين كتابة السور، والحروف، ومبتدأ الأعداد، فجدول الضرب.. والأبجدية التي تعهدتِها بروحكِ, وحسكِ، ووعيكِ..
كنتِ رفيقة أم تعود إليكِ لترددي ما حفظتِ في «الكُتَّاب».. لتوغلي وحدكِ في البحر..
حتى أخذتِنا إليه معكِ.. ولم نخرج منه بعدكِ..!
أيامك يا نوارة, مدرسة وعي..
كيف الفضيلة سلوكا، وفكرا..
وكيف القيم حسا, وفعلا..
وكيف المعاني مراكب، وقوافل..
وكيف الذي نقرأ, نفهم ونعي، ليندمج مع النبض، والحس, فيكون مزيجا، تترجمه الأدوار, والأفعال..
وكيف الوقت ثمينا في بناء الذات بكلِّها..
تذكرتكِ البارحة بحدة الشوق، ولهفة الدموع..حين هاتفتني صديقة تولول من قهرها تقول: «يا لهول ما رأيت يا خيرية في مجمعات التسوق، البنات كاشفات ساترات، متبرجات سافرات، خارجات عن المعقول في مظهرهن الخارجي أين أمهاتهن..؟ أهذا ما يردن من حقوق المرأة.. ما الذي يفعل وعيهن وتعليمهن..؟»
يا نوارة: طفرت جلساتكِ، وعلا في داخلي صوتكِ.., تذكرتكِ، بلغة تعليمكِ، لغة تربيتكِ، وأسلوب تدريبكِ, كيف نستخرج دلالات المعاني في المواقف..؟!!
فقلت لصديقتي: لا تزال تضطرب المعاني لديهن.. والدلالات خفية عنهن.. هن خارج المدرسةِ، وخارج اللغةِ..!!.. بكل معانيها وأساليبها، وأدائها..
هي ليست لغة القراءة، بل لغات التربية، والتعليم أيضا..
فاللغة ضاعت، ضيعها في زمننا وهمُ الإحساس بها يا نوَّارة..!!
رحمكِ الله، ومتعكِ برضاه في فردوسه الأعلى.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855