لاحظت وجود كثير من الاهتمام عبر وسائل الإعلام المحلية بحالات الطلاق، ونشر الإحصائيات والأرقام بصفة مستمرة على شكل تحذير أو تنبيه لحالة اجتماعية خطرة. وإن كنت شخصياً أرى أن مسألة الطلاق وانتشارها في مجتمعنا ليست منبهاً على خطورة الطلاق، كحالة انفصال بين شخصين لم يجدا حياة مريحة وعوامل مشتركة بإمكانهما الاستمرار في هذه الحياة سوياً لأجلها. إنما الخطورة في ارتفاع أرقام وإحصائيات حالات الطلاق تعود إلى طريقة الاختيار، فما دام الشاب يتزوج من تختارها له أمه أو من تُعجب بها أخته، فمن الطبيعي أن لا تتناسب بمواصفاتها الشكلية أو طباعها الخلقية معه، وكذلك الوضع نفسه فيما يخص الفتاة، فهي مُكبلة داخل أسوار المجتمع وانتظار ضربة الحظ أن تأتي لها برجل يناسبها، أو لا يناسبها! لذا فإن تزايد حالات الطلاق يعتبر نتيجة حتمية لأي اختيار قام على باطل، أن ينتهي هذه النهائية، في نظري أنها نهاية جيدة، وحددها الشرع في الآية الكريمة (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ).
أما النهايات غير السوية، ولا الطبيعية، والتي لم تلتفت لها وسائل الإعلام، هي نهاية المحبة والشعور بعدم وجود أي رغبة تمد الطرفين باستمرارية الحياة، فتنمو في داخلهما أسوار الصد والابتعاد، لا يجمع بينهما سوى محيط مكاني حدوده سقف وجدران، وورقة شكلية تجمع بين اسميهما، وأبناء يتضوّرون ألما على حال والديهما وهما يعيشان حالة من «الفصام» بالتمثيل أمام الناس أنهما زوجان، وواقع حياة منفصلة تماما. لذا فإن نهاية الانفصال والطلاق بكل ما تحمله من معاناة قد يترتب عليها حرمان الأطفال من أمهم، بسبب أنظمة الحضانة التي في الغالب تكون لصالح الأب، أو معاناة مجتمعية تحيط بالطرف الأضعف «المرأة» في مجتمع لا يخشى من نهش الناس والحديث في خصوصياتهم، مع ذلك، يظل قرار الطلاق هو الأكثر شجاعة، والأصح تطبيقاً وواقعاً، إذا ما نظرنا إلى نتائج الطلاق العاطفي على كل أفراد الأسرة، وتأثيراته على المدى البعيد في خلق أشخاص يستمرؤون حالة «الفصام» والتي بالتالي قد تكون نهج حياة لهم حتى في أمور بعيدة عن المنزل، مما قد يؤدي إلى انتشار المزيد من الأمراض النفسية في المجتمع!
ويقبل الطرفان عادة بالطلاق العاطفي، في محاولة منهم الحفاظ على السلامة النفسية لأطراف أخرى، بلا شك، أولى هذه الأطراف هم الأبناء -غالبا- إلا أن أطراف بعيدة مثل الأهل أو الوالدين لا يريد الزوجين التسبب عليهم بأعباء نفسية، وهذا ما يندرج نحو العيش لأجل الآخرين، فنحن في ثقافتنا نستمر في العذابات ونتحمل الآلام خشية أن نزيحها فتصيب غيرنا، وهذا الوضع غير مقبول، لكنه واقع معاش في مجتمعات تسير وفق هذا النهج، الذي يجعلنا نستمر في الحياة الخطأ، مع الشخص الخطأ، ونضحي بالسعادة، دون أن نشعر بأن سنوات العمر تُسرق في تضحيات مضاعفة.. أتذكر هنا حالة من حالات الطلاق العاطفي، والتي بقيت في بيت أهلها طالبة ورقة الطلاق بعد وفاة والدتها مباشرة، كانت تقول: «ماتت من كنت أحتمل هذه الحياة مع زوج أبغضه لأجلها!».
لذا فمن المهم أن يتفهم الأهل خطورة الطلاق العاطفي، ويمنحوا بناتهم وأبنائهم حرية الاختيار والبحث عن الأمان أياً كانت نتائجه، فلن تكون أسوأ من انفصال القلوب وإبقائها تحت الإقامة الجبرية الزوجية!
www.salmogren.net