يطالب المثقف والمهتم بالشأن العام وبقضايا الإصلاح تحديداً بتبني العديد من القضايا التي يعتقد أنها تصب في صالح التطور المأمول لبلادنا. ويأتي على رأس تلك القضايا الديمقراطية ووسيلتها الانتخابات وتبرز المطالبات هنا بانتخابات مجالس الشورى والمناطق، تكوين مؤسسات المجتمع المدني الأهلية وتمكينها بشكل أكبر، الفصل بين القطاع الأهلي والقطاع الحكومي بحيث يصبح القطاع الحكومي جهة تشريعية ورقابية وليس تنفيذية في بعض أنواع الخدمات، والإصلاح الاقتصادي عبر التخصيص والاستفادة بشكل أكبر من مساهمة القطاع الخاص.
تلك بعض القضايا الإصلاحية التي نطالب بها، ويبدو أنها أو جلها بدأ يتحقق ويتشكل في القطاع الرياضي. فالانتخابات الحقيقية قادمة لمجلس إدارة اتحاد كرة القدم ولرابطة دوري المحترفين وستمتد حتماً للاتحادات واللجان الأولمبية والرياضية الأخرى. وفصل عمل اتحاد كرة القدم عن رعاية الشباب يسير بشكل جيد لتصبح رابطة الدوري هي المعنية بإدارة الدوري. وتكريس كون اتحاد الكرة أصبح اتحاداً أهلياً وليس حكومياً، أيضاً ميزة تحسب نحو تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، إذا ما اعتبرنا أهلية الاتحاد الرياضي ممثلاً لمؤسسات المجتمع المدني. وأخيراً في الجانب الاقتصادي هناك مشروع خصخصة الأندية، وإن كان مشروعاً لا يزال متعثراً، وهناك الاستعانة بالقطاع الخاص لدعم نشاطات اتحاد الكرة ورابطة المحترفين كما يحدث في تخصيص الدوري وتسميته باسم الشركة الراعية.
تتم بعض تلك الخطوات كتجاوب مع التوجهات العالمية في المجال الرياضي وبالذات توجهات الاتحادات واللجان الأولمبية القارية والدولية، وكثير من الرياضيين يخوض فيها تنظيراً وفعلاً دون تسميتها أو فلسفتها كعمليات إصلاح متقدمة يطالب بها المثقف في جميع المجالات على استحياء ووجل، أحياناً.
ربما ينقد المثقف الرياضي بأنه لا يجيد تنفيذ تلك الخطوات كما يجب أو أن المجال الرياضي مليء بالتعصب وبعض التجاوزات القيمية، لكن الواقع يشير إلى أنها تجربة تتطور وتسير وسط الأشواك بشكل جيد. نحكم هنا باعتبارها تجربة أولى تتطلب تأسيس بنية إعلامية وفكرية ليست بالهينة وتتطلب تنظيماً اقتصادياً وإدارياً وقانونياً متمكناً.
السؤال هنا هو؛ لماذا لم يتفاعل المثقف مع تلك الخطوات ويدعمها بالفكر والترويج لها كخطوات إصلاحية متقدمة في جسد الرياضة السعودي المترهل والذي عانى العشوائية والفوضى الإدارية سنوات طويلة؟ لماذا نجادل حول خسارة مباراة وراتب مدرب دون أن نلمس الخطوات الإيجابية الإصلاحية المشار إليها أعلاه؟
لست أجزم هنا بأن أمور الرياضة السعودية على ما يرام، لكنني أقول إنها تبدأ خطوات إصلاحية تأسيسية ممتازة. بالتأكيد هي تحتاج الصبر والمرور بمرحلة التأسيس وما يصاحبها من تجارب وأخطاء، وتحتاج تكرار الممارسة لتترسخ معالمها، لكنها في النهاية ستشكل مؤسسة رياضية مستقبلية تتميز بالديمقراطية والعمل الأهلي المنظم.
أطالب المثقفين وكما دعموا، سواء بالنقد أو الإشادة أو المساهمة، انتخابات الأندية الأدبية واستقلاليتها باعتبارها فعلاً ديمقراطياً حضارياً أن يفعلوا ذلك مع ما يحدث في المجال الرياضي. على أمل أن ينتقل الفعل ذلك إلى مؤسسات وقطاعات حكومية وأهلية أخرى.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm