بدأ الانبهار والحماس الذي طغى على كثير من أبناء الأمة العربية تأييداً لما سمي في وقته بالربيع العربي يتحول إلى قلق وبعضه إلى سخط وصل إلى حد الغضب في بلدان (الربيع العربي).
فهذه الدول التي رفع فيها المنتفضون شعارات الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية، وجد فيها المواطنون أنهم غرقوا في فوضى عارمة بعضها تجاوز العامين تدمر فيها الأمن والاستقرار ولم يتحقق ما كانوا يطالبون به من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية فحين تدهور الوضع المعيشي مما جعل العيش أقل مما كان عليه قبل مرحلة الربيع العربي.
في تونس وبعد سنتين من اندلاع مظاهرات الغضب على واقعة العزيزي وخروج الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تدهور الوضع الأمني إلى حد قيام المتظاهرين بقذف الرئيس المنصف المرزوقي ورئيس الجمعية الوطنية بالحجارة في احتفال سيدي بوزيد في ذكرى اندلاع (الثورة)، والتونسيون يشتكون بتراجع الحالة الأمنية، وتغوّل المتطرفين الذين شنوا العديد من الهجمات طالت المؤسسات الثقافية والإعلامية والحكومية وتجمعات المواطنين، في حين نُفذ العديد من الإضرابات الفئوية آخرها إضراب اتحاد الشغل، في ليبيا لم تستطع الحكومة الانتقالية ولا الحكومة التي أتت بعدها أن تعالج مشكلة الفصائل المقاتلة التي تشكل خطراً كبيراً على الاستقرار والسلم الأهلي الذين يمتلكون أسلحة ثقيلة منها الصواريخ التي طالت مراكز حكومية وسفارات منها القنصلية الأمريكية في بنغازي التي شهدت مقتل السفير الأمريكي وثلاثة من الموظفين الأمريكيين.
أما في مصر فتعدت المواجهات ما بين التيار المدني وتيار الإسلام السياسي إلى انحراف البلاد إلى حرب أهلية ستُلحقها بالدول الفاشلة كالصومال واليمن والعراق ولبنان. وتواجه مصر معضلة كبيرة بانقسام المجتمع السياسي إلى قسم يؤمن بالقيم الليبرالية والمدنية، وقسم يعمل على تطبيق مفهوم الإسلام السياسي، وقد برز هذا بوضوح عند طرح الدستور للاستفتاء حيث كشفت المرحلة الأولى من هذا الاستفتاء أن المصريين منقسمين إلى قسمين متساويين تقريباً، وهو ما يعزز الانقسام ويجعل من تحقيق أهداف ثورة 25 يناير عملية مستحيلة، فالكثير من المصريين أخذوا يتحسرون على عهد مبارك رغم ما شاب ذلك العهد من حالات فساد وهيمنة سياسية لحزب واحد، إلا أن الاستقرار كان جيداً، والاقتصاد متماسكاً والحياة المعيشية مقبولة، وبدلاً من أن تتحقق الحرية والكرامة والعيش والعدالة الاجتماعية، انقسم الشعب المصري وبدأت المليشيات تظهر في الشارع المصري وسالت الدماء على شوارع المدن المصرية.
أما اليمن فلم يستقر الحال فيه، لا بعد الثورة على نظام علي عبدالله صالح ولا حتى بعد التوصل إلى حل المبادرة الخليجية التي أوقفت وإلى حد ما الاقتتال في اليمن، إلا أن الرئيس السابق والحركات الانفصالية والمتمردة في الجنوب والحوثيين لا تزال تعبث في اليمن مما يجعله في حالة فقدان اتزان تهدد تدمير الدولة وتجعلها عاجزة عن تحقيق حل يعيد الأمن والاستقرار ويطلق التنمية.
وهكذا وبدلاً من أن تساعد (ثورات الربيع العربي) الدول العربية التي اندلعت فيها من تحسين الأوضاع وتحقيق آمال وطموحات الشعوب، أغرقت هذه الشعوب في مشاكل ومتاهات لا حل لها في الوقت القريب.
jaser@al-jazirah.com.sa