بالأمس كان الجزء الأول من الاستفتاء على الدستور المصري، وفق صياغة جماعة الإخوان المسلمين، وبدعم من السلفيين، القوتين الأبرز بين أحزاب الإسلام السياسي، وبغض النظر عن ما قد يظهر من نتائج، إلا أن الثابت أن الانقسام في الشارع المصري أصبح أعمق من أي وقت مضى، وفيما استطاع الرئيس وحزبه من أحداث شرخ عميق بين المصريين، من المهم أن نتذكر أن حزب الحرية والعدالة - الإخواني - وصل للحكم بأغلبية ضئيلة بأكثر من 50% من الأصوات..
نكتب عن مصر دائما، لأنها المختبر اليوم، ولأنها منبع جماعة الإخوان التي انتشرت عربيا، ووطدت علاقتها مع الغرب، وقدمت نفسها كراعٍ جديد لمصالحه، وكضامن لأمن إسرائيل وعملية السلام. لكن لن يمر وقت طويل قبل أن تكتشف الولايات المتحدة أن التنظير السياسي الداعم للإخوان في أروقة واشنطن مجرد أحجية سطحية لا تدرك كيف تفكر التنظيمات السرية الإسلامية!
تنظيم جماعة الإخوان حكم عليه بالسرية من لحظات التأسيس الأولى، وفي مراحل لاحقه حاول فيها فرض نفسه وتم حضره، وهو تقريبا أول من استخدم العنف في العمل السياسي، وأدارت الصفقات الخفية، ولتنظيماته اليوم جناح مسلح معلن -حماس مثلا-، وميلشيات كما في مصر والاستعراض الشهير.
صحيح أن هناك تعاطفاً شعبياً من البسطاء باعتبار الشعارات والرموز الدينية التي يرفعها أو يحشدها التنظيم، لكن لنتذكر أن أي شخص قد يكون إخواني بالتعاطف، لكن هذا لا يجعله أبداً قريباً من اللعبة الإخوانية، ومراوغاتها، وعلاقاتها الدولية. ومهما بلغ حماسك أو تدينك -مثلا-، إلا أن تنظيم الإخوان لا يعترف إلا بكادره، وبالنسبة للتنظيم فأنت مثل أي مشجع رياضي، قد تتفاوت درجة تعصبك أو عقلانيتك للإخوان وجماعتهم، لكنك لا تعدو قدرك كمشجع مضحوك عليه -باسم النسخة الإخوانية من الإسلام-، و تحتاج لخيال بلا مبادئ على الإطلاق، لتعرف كيف تتحرك وتدار وتعمل التنظيمات السرية، وهو أمر بدا يتكشف لكثيرين في الشارع المصري من أوصلوا الإخوان للحكم بمنح أصواتهم!
التنظيمات السرية، ليست فكرة الشخص الحر المفضلة، من أسطورة الماسونية وخزعبلاتها، وحتى أجهزة المباحث والاستخبارات التي تمارس لعبة التخفي، -رغم الضرورات الأمنية - إلا أنني أعشق الضوء والنور ولا أجد طعماً ولا رائحة في أي تنظيم سري بما فيها أضحوكة القوى الخفية التي تدير العالم..باستثناء القوى الاقتصادية الظاهرة بماركاتها التجارية للعلن.
الإخوانية - تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ورغم ما تحقق له من منجز سياسي في العالم العربي لازال يعمل ويفكر ويدير بأسلوب السرية والمراوغة والكذب، والتحرك في الظلام، في تلك الدول التي تمكن من الوصول إلى الهرم السياسي فيها، وصولا إلى دول الخليج التي يعمل فيها بسرية توحي بخبث وسوء نية.
وهو أمر يشرح فشلها في الإدارة والسياسة العامة علانية، حيث التنظيم الهرمي الصارم من القاعدة للمرشد والعكس، يجعلها غير قادر على الفعالية خارج مثلث التنظيم - الجماعة.