يتسم الإنسان بخاصيتين مميزتين تميز بهما قدرا ومكانة عن غيره من سائر المخلوقات، الإدراك والتواصل، الإدراك باعتباره عملية عقلية تمكن الإنسان من فهم المثيرات من حوله من خلال تنظيم المعارف والمعلومات وتحليلها واستنتاج الحلول والمواقف والآراء من معطياتها، والتواصل باعتباره سمة اجتماعية تربط الإنسان بمحيطه الاجتماعي تفعيلا وتفاعلا.
والإنسان بصفته البشرية التي تحتم عليه الاتصال والتواصل بغيره من بني البشر، والإنسانية التي توجب عليه التفاعل مع متطلبات ومجتمعه وحاجاته، لابد وأنه اتخذ العديد من القرارات في حياته، بل إن كل إنسان على اختلاف درجة منزلته ومسؤوليته يتخذ في اليوم الواحد جملة من القرارات، بعضها ذو صلة مباشرة به، وبعضها الآخر بمن يحيط به أو يرتبط معه بصلة عمل أو رعاية، قرارات تختلف في درجة أهميتها وقيمتها، لكنها في الجملة يقصد منها تحقيق غاية، أو معالجة مشكلة، بعضها آني الآثر، وبعضها الآخر مصيري يبقى أثره طويلا.
ومن واقع القرارات التي تتخذ لمعالجة المشكلات المجتمعية، أو لتلبية الحاجات يقر في الذهن عن البعض صفات معينة تعكس سماته الشخصية التي تعد ملازمة له، أصيلة في سلوكه، وذلك نظرا لتواتر أسلوبه ومنهجه، وطبيعته في اتخاذ القرار.
فالبعض ارتجالي مستعجل، يعتمد في اتخاذ قراراته على الظن والحدس والتوقع وتبسيط الأمور، وسيطرة هاجس النجاحات المستعجلة، حيث يغلب المصالح الذاتية من أجل تحقيق المكاسب، حتى وإن كانت مكاسب وقتية أو سطحية.
بينما الآخر متأن متثبت متريث، يراعي الخطوات العملية المنطقية في اتخاذ القرارات، حيث يجمع المعلومات، ويبحث في الواقع والمتغيرات، ويطرح التساؤلات، ويضع نصب عينيه كل الاحتمالات والمآلات، ويجتهد في تلمس الحق والصواب والأنفع، كل ذلك من أجل أن يصل إلى قرار حكيم محكم، يحقق المقاصد المأمولة منه.
أجزم لو عاد كل منا لذاكرته القريبة لوجدها حافلة مليئة بالعديد من القرارات، بعضها يثير في النفس الرضا والسعادة، وبعضها الآخر يثير في النفس الامتعاض والحنق، ليس للقرارات التي اتخذها فحسب، بل لكل قرار ذي صلة به أو بالحياة المجتمعية العامة، آخر تلك القرارات التي أثارت القلق والاضطراب في مؤسسات القطاع الخاص عامة، فرض رسم عن كل عامل أجنبي يتجاوز عدد العاملين السعوديين في القطاع، وترجع حالة الاضطراب والحنق إلى عوامل عديدة، منها الآلية التي فرض بموجبها هذا الرسم، حيث لم يعرض على مجلس الشورى للدراسة والتمحيص كما جرت العادة في مثل هذه التشريعات، كما أن الكلفة المالية أربكت ميزانيات القطاع الخاص وتسببت في خسائر مالية كبيرة لم تكن بالحسبان، والأهم من هذا وذاك، هل الفجوة بين واقع العمالة السعودية وما يجب أن تكون عليه مقارنة بالعمالة الأجنبية، كافية متوفرة ؟ أم أن الواقع يشكو من شح ونقص وإحجام في العمالة السعودية كما ونوعا، وبالتالي كيف يحاسب القطاع الخاص على واقع لا يملك حياله حولا ولا قوة ؟
وحتى تحمي الجهة التي رأت فرض الرسم نفسها من تبعات امتعاض رجال الأعمال وحنقهم من هذا القرار، ومن مظاهر الاضطراب التي أحدثها، تدثرت بعباءة مجلس الوزراء، زاعمة أن المجلس هو من اتخذ هذا القرار، ووفق ما هو معلوم بحكم الاختصاص فإن مجلس الوزراء الموقر لا يشرع، بل يقر ما يعرض عليه من جهات الاختصاص، وهذا ما يفهمه منسوبو القطاع الخاص، إنهم يعلمون أن من اقترح هذا الرسم هي الجهة المختصة وهي من رفعه بصفته تنظيما وليس نظاما كي تتجنب قنوات التشريع التي لن تمرر مثل هذا الاقتراح نظرا لما له من أضرار على القطاع الخاص، وعلى الاقتصاد الوطني بصفة عامة.
سهل اتخاذ القرار، لكن صعب جدا صموده ما لم تتخذ الخطوات المعتبرة لنجاحه.