تعرفنا على تنظيم الإخوان المسلمين في السعودية قبل حوالي أربعة عقود، وذلك بعد ما تولى كبار الإخوانيين العرب -الذين استضافتهم المملكة- كبر نشر أفكار هذا التنظيم في كل مكان حلوا فيه، وقد عملوا بلا كلل حتى تم غرس أفكار هذا التيار، وقد كان النصيب الأكبر لحقل التعليم، والحديث حول هذا وتداعياته يطول، ولكن ما يهمنا هو أن المجتمع بدأ -ولو نسبيا- في التعرف على الإسلام السياسي، وبدأ يدرك الفوارق بينه وبين الإسلام الحقيقي، وهذا من نتاج الثورات العربية ووصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر وتونس بدعم غربي واضح، إذ إن العلاقات الوطيدة بين تنظيم الإخوان من جهة، وأمريكا وحلفائها بما فيهم إسرائيل من جهة أخرى بلغ من الوضوح حداً جعل الإنسان العادي يتساءل، ويعيد الحسابات بخصوص هذا التنظيم الذي كان يطرح شعار الإسلام هو الحل على مدى عقود، ثم انكشف كحزب سياسي براقماتي مستعد لأن يعمل أي شيء في سبيل الوصول إلى كرسي الحكم.
أتحدث الآن مع كثير من الإخوة عن هذا التنظيم بلا تحفظ، بعد أن سقطت ورقة التوت التي كانت تستره حينما كان في المعارضة، إذ كان حينها يتغنى بالأطروحات الإسلامية، ويدعي عداء الغرب، وإسرائيل، ثم بدأت الأوراق بالتساقط، بدءا من هدم المعابر، مرورا بالرسالة الشهيرة للصديق العظيم في تل أبيب، وأخيرا التأييد الأمريكي المطلق لحكومة مرسي، والإشادات التي انفلت عقالها خلال الأزمة الحالية، وقد كان محرجا للعالم الحر أن يتخذ الموقف ونقيضه في أقل من عامين، فالإدارة الأمريكية التي استأسدت على مبارك، ولم تمهله حتى لالتقاط الأنفاس أثناء الثورة الأولى، أدارت ظهرها عما يحدث الآن في الثورة الثانية، وبات واضحا من تصريحاتها أنها تنحاز بشكل فج للإخوان، فمن يتابع ما تقوله وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلينتون، أو الرئيس أوباما يقرأ هذا بوضوح تام، وبلغ الأمر مداه في انحياز الإعلام الأمريكي الحر، فما الذي دهى هذا الإعلام؟
لا يخفى على المتابع أن الإعلام الأمريكي تغير بشكل كبير منذ حرب الخليج الثانية -العام 1990-، إذ إنه أصبح يميل تدريجيا لوجهة النظر الحكومية، وبلغ أقصى درجات التحيز بعد أحداث سبتمبر في عهد بوش الابن، إذ مارست الحكومة الأمريكية إرهابا حقيقيا على كل من تجرأ، وخالف وجهة النظر الرسمية، ولعل قصة أشهر أقطاب الإعلام الأمريكي السيد دون راذرز، المذيع في السي بي إس تحكي حكاية هذا التحول بشكل واضح، ولذا لا عجب أن ينحاز الإعلام الأمريكي صوب بوصلة البيت الأبيض المؤيد لحكومة الإخوان، فمن كان يصدق أن كتاب اليمين المحافظ سيكتبون ويعلقون تأييدا لحكومة الرئيس مرسي، حتى وهو ينقلب على الشرعية التي جاءت به، ولكن المؤكد أن الشعب العربي بعد الثورات العربية يختلف تماما عنه بعدها، فهل يا ترى تنجح الولايات المتحدة وحلفاؤها في تل أبيب في فرض حكومة الإخوان، أم تكون الكلمة الأخيرة للشعب المصري الثائر؟ وقبل الختام، لا بد أن نعترف بخيبة الأمل التي يشعر بها الإنسان العربي، الذي تمت خديعته بأن أمريكا تسعى لنشر الديمقراطية عبر المساعدة في انتخاب حكومات مدنية في العالم العربي، وإذا بها تدعم عودة الاستبداد بشكل أسوأ مما كان عليه في السابق، فيا لخيبة الأمل الكبرى.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2