** استلذّ بثوبي شتاءٍ اعتمرهما، وعودي حطبٍ أشعلهما، واتكّأ على ذاكرةٍ مثقلةٍ وذكرياتٍ متعِبةٍ، ورسم ملامحَ عمرٍ يؤذن بغروبٍ أجملُ ما فيه لحظاتُ الانتصار القليلةُ التي واجه بضوئها انطفاءاتِ الحياةِ المعتمة ، ولم يعنِه أن يستمتعَ مَن حوله بمحكيِّه المتكرر؛ فصوتُ ذاته أقربُ إليه منهم ولذةُ الدفءِ تُشعُّ في دواخله هدوءًا وحكمة.
** لم يلتفت إلى عقارب الساعة تدقُّ رقمًا فرقمين ثم ثلاثة؛ فالوقتُ بلا حاسب، وما أهمَّه محاسب، ولا بأس إن تثاءب واحدٌ وانشغل بهاتفيهما اثنان وتحدث رابعٌ مع خامس؛ فإنما كان يروي بنفسه لنفسه مستعرضًا مراحل يأسه وبؤسه وتعسه ونُكسه ، وهل تخلق “ الوحدةُ” سوى أخاديدِ آلامٍ وأنفاق أعوام.
** لم يأبهْ ألاَّ يلتفت الجيلُ للجيل ولم تعنه الجفوةُ بين صبيٍ وكهلٍ وشابٍ وشيخٍ ولم يدرِ أنها الحياةُ تدين للجديد والمتجدد وتأنفُ من الأسمال المطمورةِ في منافي الركض على الأشواك بعدما حل الترف مكان الشظف فتوفر مال واستقامت أحوال وبات الغنيُّ هو الفَتِيَّ ولو بلغ من الكِبَر أرذله العتيّ.
** صورةٌ تنطقُ بهواجس واقعٍ صعبٍ نسي أمسه وظنَّ المبتدأَ نفسه، ولم يحسب معادلات الفصول الأربعة التي عشي عنها عُتقاءُ الطفرة والوفرة ، ونسُوا أن العدد يبدأ بواحدٍ واثنين والفعل يحتاج إلى فاعلين والماء اتحاد ذرةٍ بذرتين.
** ليس الشيخُ وحده من يتحدث دون منصتين ؛ فكذا الأستاذ والباحث والأبوان لا يجد أكثرُهم من يردُّ صدى أصواتهم ، وكأن المشهد يشي بأجيالٍ دون آباءٍ وآباءٍ من غير أبناء وقطيعةٍ مع ما فات وجهلٍ بما هو آت.
** لا يصاب الشبابُ عادةً بمرض “ألزهايمر” لكنهم يعايشونه عبر ذواكرَ تحسب التأريخَ مرتهنًا لما يبصرونه، وهنا تختلّ معادلات الحضور والغياب إذ يتبادلان موقعيهما فيحضر ما حقُّه الغياب ويغيب ما حقه الحضور ويفرُّ التأريخ الحقيقيُّ حين نركنُ لما يرويه كاتبٌ وكتاب ونهمش ما يحكيه شاهدُ التفاصيل حين لا يتسع لها مدىً محكومٌ أو متحكم.
** مرضان في عَرضين؛ فقيمةٌ تغيضُ ومعلومةٌ تغيب، وتتسع بهما مسافاتُ الفصل بين الشمس والظل ، وعفا الله عن “أبي العلاء”:
من يبغِ عنديَ نحوًا أو يُردْ لغةً فما يُساعَفُ من هذا ولا هذي
يكفيك شرًا من الدنيا ومنقصةً ألاَّ يبينَ لك الهادي من الهاذي
** بين “ الهادي والهاذي” تاه اتجاهُ البوصلة وتماهت خطوط التواصل؛ فغفا الشيخُ ولم يكمل حكايته ولم يعنِ الشبابَ أن تبقى مبتورةً ؛ فلم ينصتوا بدءًا ولا يعنيهم أن يفهموا منتهى.
** كذا نحن في “فردانية” زمنٍ توحي بمِلْكيةٍ مطلقةٍ لا تعترف بحدود الآخرين وحقوقهم في مشهدٍ يجعل العاقلَ يفكر عشرًا قبل أن يمضي به العمرُ فيُلفيَ نفسه وحيدًا يجتر ذكريات اليباب دون مريدين ولا أصحاب.
** النهايةُ أحاسيس.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon