برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي أحد الروافد المهمة لدعم مسيرة التنمية من خلال تأهيل وتطوير الكفاءات البشرية من أبناء الوطن؛ ليعودوا ويساهموا في تحقيق الإنجازات وإدارة المشاريع والرقي بمستوى الخدمات التي يتم تقديمها لأفراد المجتمع.
وقد انطلق البرنامج في عام 1426هـ لمدة خمسة أعوام، حيث بدأت قوافل الابتعاث في التوجُّه للولايات المتحدة الأمريكية، ثم توسَّعت دائرة الابتعاث لتشمل العديد من الدول المتقدمة حول العالم، والتي تلبي التخصصات المتنوعة التي يحتاج إليها سوق العمل في المملكة العربية السعودية، وقد تم تمديد البرنامج في عام 1431هـ لخمس سنوات أخرى؛ حيث أفادت وزارة التعليم العالي بأن البرنامج قد حقق الأهداف المنوطة به في المرحلة الأولى؛ ما ساهم في صدور الموافقة السامية على تمديد البرنامج لمرحلة ثانية.
وقد تجاوز عدد مبتعثي البرنامج الـ150 ألف مبتعث، وذلك في 19 تخصصاً، ضمن 27 دولة من دول العالم. وقد أكد بعض المسؤولين أن هذه التخصصات كافة قد أدرجت في برنامج الابتعاث بناء على حاجة سوق العمل، وأن التنسيق يتم بشكل مباشر ومستمر مع القطاع الخاص، ممثلاً في الغرف التجارية ومع وزارتَيْ الخدمة المدنية ووزارة العمل؛ للبحث عن وظائف شاغرة، إلا أنه أشار إلى أن 60 % من هذه التخصصات علمية بحتة، غير أن البقية في علوم مطلوبة في سوق العمل.
وقد نشرت إحدى الصحف أواخر الأسبوع الماضي خبراً عن تأجيل لقاء كان من المقرر عقده بين وزير التعليم العالي وعاطلين عن العمل من حملة الدرجات العلمية العليا كالماجستير والدكتوراه من مختلف التخصصات، وأوضح منسق اللقاء - وهو من العاطلين - أن هؤلاء العاطلين الذين يتجاوز عددهم 3500 عاطل من خريجي التعليم العالي يرغبون في تطبيق القرار الملكي القاضي بتأهيل السعودي ليحل محل الأجنبي، مشيراً إلى أن هناك خمسة آلاف شخص مخالفين لأنظمة التعيين والشروط التي وضعتها الجامعات السعودية.
وما يحدث في وزارة التعليم العالي نسخة طبق الأصل لما يحدث في وزارة التربية والتعليم، أو المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، أو غيرها من مؤسسات التعليم والتدريب أو الجامعات الخاصة؛ إذ إننا لم نقتنع حتى اليوم بضرورة ربط مخرجات التعليم أو التدريب بسوق العمل مباشرة، ولم نتمكن حتى هذه الساعة من أن نضع الضوابط الأساسية والخاصة بعدم هدر هذه الأموال والجهود والأوقات في إعداد جيل نضمن له في نهاية المطاف مصدر رزق أو فرصة عمل. وهنا نعود مرة أخرى للمربع الأول؛ حيث ستؤكد تلك الجهات أن مهمتها هي التعليم أو التدريب فقط، وفي المقابل فإن الجهات الأخرى من وزارة خدمة مدنية ووزارة عمل ستؤكد أن المخرجات لا تتلاءم مع سوق العمل.
ومن ناحية أخرى نجد أن كثيراً من المبتعثين ليس لديهم رؤية واضحة عن مصير مرحلة ما بعد الابتعاث؛ فهو لا يدري هل سيجد عملاً بعد عودته أم لا؟ وإن وجد فهل سيكون في القطاع الحكومي أم سيقبل بالعمل في القطاع الخاص؟ وليس لدي شك بأن كثيراً من الـ 3500 عاطل من خريجي التعليم العالي، الذين سبقت الإشارة إليهم، هم ممن يرفضون العمل في القطاع الخاص، ويصرون على العمل في القطاع الحكومي، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة، لا نعرف ماذا سيحدث لأكثر من 150 ألف مبتعث سيعودون قريباً بعد أن قضوا سنين يدرسون خارج الوطن، وبعد أن أنفقت عليهم الدولة مليارات الريالات.
إننا في حاجة ماسة لإعادة النظر فيما نقدمه من برامج تعليم وتأهيل وتدريب ودراسات عليا، بحيث نعمل جادين لأن نقدم مثل هذه الفرص الذهبية للمنشآت الحكومية وشركات القطاع الخاص، بحيث يتم توقيع عقود مع تلك الجهات لاستيعاب هؤلاء بعد تخرجهم، وهذا الأمر سيهتم به القطاع الخاص بشكل أكبر؛ إذ إنه سيساهم في توفير الكثير من المصروفات على تلك الشركات، بحيث تقدم لهم الدولة خريجين مؤهلين في مجالات متخصصة، يحتاج إليها سوق العمل.