بوكو حرام النيجيرية، طالبان الأفغانية، القاعدة التنظيم الأم والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، جبهة النصرة في سوريا، أنصار الشريعة في شمال مالي، كل تلك منظمات إرهابية دموية ترفع شعار الجهاد، ويجد دُعاتها وأساطينها لدى الشباب المسلم آذاناً صاغية، فينخرطون في تنظيماتها، بحثاً عن الشهادة والجنة والتكفير عن الخطايا والذنوب.
والسؤال الذي لابد من طرحه: لماذا دين الإسلام (فقط) من بين الأديان على سطح هذا الكوكب هو الذي يُفرز هذه المنظمات الدموية الإرهابية، رغم أنه دين التسامح، والسلام والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والذي تنضح آياته، وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى اللين، والجنوح إلى السلام ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلاً؟.
القضية في حاجة إلى مركز أبحاث متخصص للإجابة على هذا السؤال، يأخذ على عاتقه مسؤولية دراسة هذه الظاهرة من جميع جوانبها، والبحث عن الأسباب والبواعث التي جعلتها مثل الوباء المستعصي، ينتشر ويتفاقم ويتشظى مع مرور الزمن؛ فالقاعدة أصبحت (قواعد) والمنظمات الإرهابية أو الجهادية، تعددت وتكاثرت رغم أن العالم من أقصاه إلى أقصاه يسعى إلى تحجيمها وقمعها ومحاصرتها، لكن دونما فائدة للأسف.
مؤلف كتاب (الدم والغضب: التاريخ الثقافي للإرهاب) مايكل بورليه، كما جاء في تحقيق عن ثقافة الإرهاب، أعده لجريدة الشرق الأوسط نامق كامل، يُعيد الإرهاب كثقافة، وكممارسة إلى الغرب وليس المسلمين؛ غير أننا على ما يبدو استوردناه، حتى بدا وكأنه منتج إسلامي صرف؛ يقول في محاولة منه إلى رصد بدايات تاريخ الإرهاب في العصر الحديث: (أول قنبلة أنفاق انفجرت في لندن زرعها أحد أعضاء إحدى الجمعيات الأيرلندية عام 1883، وأول هجوم انتحاري كان على رئيس وزراء روسيا عام 1906، وأول شحنة ديناميت وضعت في طائرة كان عام 1907 من قبل المتطرف بوريس سافنكوف. أما انفجار أول سيارة مفخخة فقد كان في وول ستريت في نيويورك عام 1920).. والسؤال: الذي يفرضه السياق: لماذا استطاعت تلك المجتمعات من محاصرة هذه الظاهرة، والتضييق عليها، في حين أنها انتقلت إلينا، وتوشحت بوشاح الإسلام، رغم أنها أتت منذ البداية من ثقافة لا علاقة لها بالإسلام؟.
أما أول من دشن العمليات الانتحارية بين العرب فكانت شابة لبنانية عمرها 18 سنة اسمها (سناء المحيدلي) فجرت نفسها في قافلة إسرائيلية في لبنان عام 1982 ومات إثر العملية خمسين جندياً إسرائيلياً؛ ثم انتقلت الفكرة إلى القاعدة والتكفيريين وبالذات في عقر دارهم في بلاد الأفغان فانتشرت بينهم انتشار النار في الهشيم، وأصبح الأمر لا يحتاج إلا إلى صبي مضطرب نفسياً، وحزام ناسف، وتنتهي القضية بتفجير عادة ما تكون آثاره مدمرة، وضحاياه بالعشرات.
ولم يعرف من الفقهاء الذين عليهم الاعتبار من أفتى بجواز هذه العمليات القميئة الدموية إلا يوسف القرضاوي الشيخ الإخواني المعروف؛ وكانت فتواه على ما يبدو نابعة من دوافع (حركية) محضة، لأن تأصيلها الفقهي في غاية الضعف؛ يقول في فتواه: (إن العمليات التي يقوم بها الشباب المسلم الذي يدافع عن أرض الإسلام وعن دينه وعرضه تعد من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وهي من الإرهاب المشروع الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.. واعتبر تسمية تلك العمليات بالانتحارية تسمية خاطئة ومضللة لأنها عمليات فدائية بطولية استشهادية أبعد ما تكون عن الانتحار، ومن يقوم بها أبعد ما يكون عن نفسية المنتحر).
وأمامكم ما جنت علينا وعلى الإسلام، بل وعلى البشرية جمعاء، هذه الفتاوى الدموية المشؤومة؛ فهل ترى القرضاوي مازال يقول بهذه الفتوى ويصر عليها، أم أنه تراجع بعد أن بلغ من العمر عتياً وأصبح على مشارف القبر ولقاء ربه؟.
إلى اللقاء،،،