لا أعتقد أن أحداً سيجادل بأن الزعيم الليبي معمر القذافي يعتبر واحداً من أسوأ الحكام في العصر الحديث، وقد بلغ السوء في ليبيا درجة لا تُطاق، خصوصاً بعدما حولها القذافي إلى محمية عائلية خاصة، تُدار بأكثر الطرق بدائية، ولذا نؤكّد أن حديثنا عن الثورات العربية من منطلق المؤامرة لا يعني بأي حال أننا ندافع عن الحكام السابقين، بقدر ما نعبّر عن غضبنا البالغ تجاه النرجسية الغربية، التي مارست الخداع والتضليل على الشعوب العربية بشكل لم يسبق له مثيل، فقد استخدمت قيم الحرية والعدالة ونشر الديمقراطية لتنفذ مخططاً بدأت ملامحه تظهر للعيان بشكل واضح، وهذا أمر صادم لكل أولئك الذين عقدوا آمالاً كبيرة في سبيل مستقبل أفضل في هذا العالم المنكوب.
عندما كانت قوات الناتو تدك ليبيا، كان الشعب العربي يصفق طرباً، وهو- يا المفارقة - ذات الشعب الذي عاش مخاض الآلام عندما كانت القوات الأمريكية تدك حضارة الرشيد في بغداد قبل ذلك بسبع سنوات في عام 2003! فقد كنا نعتبر ضرب بغداد استعماراً جديداً، وهو ما حصل، فقد تم تدميره، وتعيين حاكم أمريكي عليه، وما زال منكوباً بحكومة طائفية حتى اليوم، أما ضرب ليبيا فقد صفق له العرب، ليقينهم بأن الغرب قرَّر مؤخراً أن يلحقهم في سياق الحضارة، أو هكذا اعتقدوا، ثم تلخبطت الأوراق عندما ظهر في طرابلس أحد أفراد تنظيم القاعدة السابقين كرمز قيادي في ليبيا الجديدة، ثم اكتملت درامية المشهد، عندما احتفل أهالي الديار البعيدة، بنغازي والزنتان ومصراتة، في قلب طرابلس، وحينها قيل إن أهالي طرابلس أنفسهم تفاجؤوا بهؤلاء الغرباء الذين يحتفلون بساحات مدينتهم، ولم يتبق إلا أن يقولوا لهم: من أنتم؟ وها هي ليبيا الآن تعيش في فوضى عارمة لا يدري أحد أين، ولا متى ستنتهي.
تفحصوا المشهد العربي جيداً، من مصر إلى تونس، ومن ليبيا إلى العراق واليمن، وستدركوا أن كل تلك الآمال التي عاشها المواطن العربي في عام الثورات (2011) ذهبت سراباً، فبعد تدمير ليبيا والعراق، ها هي ملامح تونس ومصر الجديدتين تتضح جلياً بفرض حكومات الإسلام السياسي، والتي اتضح من سلوكياتها أنها دكتاتوريات استبدادية جديدة، يُراد لها أن تحكم الشعوب بالحديد والنار من جهة، وتحمي إسرائيل، وتنفذ مصالح الغرب من جهة أخرى، وهذا هو ما يفسر الموقف الأمريكي الداعم وبقوة لحكومة الإخوان في مصر، رغم كل القرارات الديكتاتورية التي اتخذها الرئيس مرسي، ورغم أنف كل مكونات الشعب المصري، والذي ملأ الميادين احتجاجاً، فما يهم أمريكا هو أمن إسرائيل، وتنفيذ الأجندات التي تخدم ذلك، وطالما أن حكومة مصر الجديدة تقوم بذلك على أكمل وجه، فلتذهب الديمقراطية وقيم الحرية والعدالة إلى الجحيم، وهذا هو الواقع المؤلم الذي يجب أن يدركه المواطن العربي، والذي يتم خداعه على الدوام.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2