من الذي لا يتكلم.., ولا يثرثر.. الآن..؟
من الذي لا يتذمر، ولا يتحيَّر الآن..؟
من الذي لا يسخط.., ولا يغضب الآن..؟
من الذي لا يركب الموجات، لئلا يلفظه الماء..؟
من الذي لا يتبع الجعجعة، ولا يندس في المعمعة..؟
خضيض المرحلة ما الذي سيفرزه..؟ لبناً سائغاً، أو فقاعات طائرة...؟
هذا التسارع الحميم الذي أصاب الألسنة بالعي.., والآذان بالصمم، والنفوس بالدكن، والحياة بالعفن..,
ما سيؤول إليه..؟
أهي طفرات.., أو مستديمات..؟
الأرض تتبركن، والحِمم تتشظى..
والبشر يتقلبون على صفيح ساخن من الفوضى، ويدَّعون أنها ستتمخض، وتلد..؟
ما الذي ستلده فوضى البشر العارمة في جميع أنحاء الأرض، في هذه المرحلة الصوتية الصاخبة..؟..النارية الحارقة..؟ الضوئية الغاشية..؟
العدوان هو سمة العصر.., من سكين يُطعن به ظهر، أو قنبلة تُدك بها منازل.., أو دبابة تُحصد أجساداً، وممتلكات، أو طائرة تذر السم، وتشيع الموت..، ومن صناعة تُنتج ما يُفسد، ويُمرض.., ويهيمن، ويغير, ويحرق, ويضلل,..
إلى صدور مكتظة، وقلوب مضطربة، وأذهان مشتتة، وأفكار متداخلة..
إلى ألسنة تنحر القيم.., وتخدش الآذان، وتُوجع الوجدان، وتحير الأذهان..!
إلى أقلام تنخر في العظام.., وخطط تُحَطَّمُ بها الأحلام..
فرغت أكثر الصدور من الأخلاق..,.. ومن حَسَن النوايا..
هشاشة أصابت عظام أبنية البشر في مقتل..!
تمشي ولا تعلم أين مكامن الصواب، ولا منازل الأمان..
كثر الغش, وشاعت الأكاذيب، وضعفت النفوس، وتسطحت الغايات، وتدنت الأغراض..
خليط خليط يحسبه العابر دسما،..وهو سم..!
حتى الأغذية تُحقن بما يُميت، وتنفخ نار النور, لتحرق خضرة الحياة..، حتى الأشربة تُخزِّن ما يضر.. والأقوال تبطن بالنوايا..
فيما يُقرأ, وفيما يُشم، وفيما يُشرَب, وفيما يؤكل، وفيما يُلبس, وفيما يُقال، وفيما يُسمع, وفيما يُعمَل, وفيما يُسكَن، وفيما يتحرك..!
حتى وسائل الترفيه تخيف، وتُفزع، وتُميت, وتصيب بعاهة..!
فعاهات الوقت مزروعة لها الوسائل، والسبل، والأسباب، والطرق..
وهي ليست عاهات أجساد فقط..., بل أرواح, وعقول، ونفوس..!
لا أحد في مأمن من معطيات المرحلة.. وهذا الفاصل الشاسع بين الحلم والواقع..!
ولا أحد لم تصم أذنيه المعمعة، أو تكف عينيه الأوبئة، أو تشل أنفاسه الأغبرة، أو تلجم راحته الجعجعة..
فأغلبية البشر على وجه الأرض، في المرحلة، يعرفون ويجهلون، يعرفون ولا يفهمون, يصرخون ولا يسمعون، يتكلمون ولا يهدأون.., يقولون ولا يفعلون.., ويفعلون ولا يجنون..،
يتوهمون أنهم ينتجون، وأنهم يتقدمون، وأنهم ينجحون،..
يتوهمون أنهم يصنعون للزمن، وللبشرية تقدماً هائلاً في العلوم، والتقنية، وتطور أساليب الاكتساب، وهم يتردُّون في خسائر فادحة بكثير مما ينتجون على جبهات مقابلة..
إنه التغيير الأسوأ، الذي يمر بالبشرية، وإنها الأكثر خسائر التي لحقت بها، التغييرات التي تسارعت بمتناقض حلولها، وبنزولها بالأمم على الأرض...ولىَّ معها الإنسان الأكثرَ مصالحة مع نفسه، ومع الآخرين،...بل مع حياته ومعيشته..
إن ما أحدثته متغيّرات الطبيعة في كون الإنسان بالإنسان على الأرض.., لم ينتج الخسارات التي صنعها الإنسان لنفسه،..
ويتمادى..
لكنه جهول يكابر..!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855