عراك الطلاب ومناوشاتهم تزايدت في الآونة الأخيرة وتطورت أدواتها، كان المعهود أن احتكاكاً يحدث بين طالبين أو أكثر فيتدخل المشرف الطلابي وينهيه، غير أن الأمر في السنوات الأخيرة أخذ بعداً ومساحة أكبر مع توفر أدوات المعركة وسبل إدارتها، فالفتيان يملكون الآن وسائل التواصل والتنقل والمطاردة حتى بين الوديان والشعاب على صهوة (الشاص الأشهب وأبو عراوي) وبإمكانهم تحديد مكان الخصم بأجهزة تحديد المواقع، والاتصال بالهواتف المحمولة وغيرها من وسائل الاتصال الصحراوي، لماذا تتجه الأنظار إلى الوديان والبراري والقفار ذلكم أن محافظات وقرى وأنحاء ازدادت بها تلك الأحداث المؤسفة بين الطلاب بما يفسره متخصصون اجتماعيون بأنه كلما تدنت مستويات الوعي والثقافة العامة كلما زادت حدة هذه المواجهات السطحية الساذجة في مضمونها العميقة في آثارها الأمنية الاجتماعية، يؤججها ويشعلها في كثير من الأحيان التجانس والانتماء للجماعات والتجمعات السكانية ذات الرابط الواحد مقابل جماعة أخرى، في ما يتعارف عليه بالفزعة والانتصار للفريق حتى لو كان الحق ليس بجانبه، فتبدأ التجمعات العصبيّة (العصابية) مزودة بالعصي والأسلحة البيضاء وقد تتصاعد حدة المشكلات ليستخدم في حسمها الترصد بالأسلحة النارية وإتلاف الممتلكات كالسيارات، وهنا تكون المسائل قد وصلت لدرجة التعقيد وضرورة تدخل الكبار بمن فيهم الجهات الأمنية، ومن المعلمين من يقحمون أو يقحمون أنفسهم في هذه الملاحم إما بحكم الوظيفة أو لعامل الحميّة والفزعة للعرق والانتماء للمحيط الجغرافي، فهذا النوع من المشكلات لا يلبث أن يتمدد ليضم إليه أعداداً من الطلاب ثم ينجرّ إليه بعض المعلمين الذين كثيراً ما يدفعون الثمن إما بتعرضهم للضرب أو لإتلاف سياراتهم أو بهما معاً، حدثني معلم كان يعمل في منطقة نائية أنه أثناء الحصة الدراسية دخل أب أحد الطلاب ورمى لابنه (سكين مطوى) وهو يقول: (نسيت سلاحك يالرخمة)، وقصص المعلمين الذين تعرضوا للأذى كثيرة ومحزنة، رغم أن الأسباب تبدأ تافهة إلا أن غياب الوعي وانسداد منافذه إلى عقول بعض الطلاب لا زال عسير الفتح في ظل مفاهيم بآلية أقرب إلى عادات جاهلية مظلمة، هذه الخلافات في نظري تؤخّر الأجيال فكرياً وتربوياً وتعليمياً وبالتالي معيشياً نظراً لنتائجها المنتظرة والمترتبة عليها تدرجاً، فكم طالب صرفته وحرمته هذه المشكلات من إكمال تعليمه رغم ذكائه الفطري وقدرة استعابه وربما خسر مستوى وظيفي وعلمي مرموق يحلم به أي شاب.
في المدن والتجمعات السكانية الأكثر وعياً يختلف الوضع فمن حيث المبدأ لا يدخل الطلاب في معارك والتحام جسدي وإن حدث فهو لا يذكر ويتم احتواءه وحله سريعاً بين الطلاب أنفسهم، ويقتصر الخلاف على الملاسنات والتنافس في الانتماء الرياضي كمثال، ويجد فيه الفتيان متنفساً وتعبيراً عن توجهات ورغبات لكنها لا تتعدى لأكثر من ذلك، يحدوهم الوعي وتثمين العواقب، قس على ذلك حوادث المرور فهي في مناطق جغرافية من المملكة حسب الإحصاءات تكون أكثر عدداً وأبلغ أثراً وخسائرها متعددة، وكذلك حوادث الغرق في الأودية وتجمعات السيول حيث التهاون بدخولها وخوض غمارها الخطرة أثناء جريانها وهطول الأمطار الغزيرة، مع كل التحذيرات وحملات التوعية وتكرار المآسي السنوية، ومرد ذلك لمستوى الوعي وسؤ التقدير.
t:@alialkhuzaim