التحريض أحد الوسائل الفتاكة يتم اشعاله من خلال إثارة الناس، فيجعلهم يتصرفون بشكل لا عقلاني، وله قابلية الانتشار بسرعة انتشار النار في الهشيم؛ ومبدأ التحريض هو بث الفكرة لكن غايته ومنتهاه ومقصده هو خلق التصميم عليها باقترافها. إن التحريض ينتمي إلى دائرة الأفكار والنوايا لا دائرة الأفعال والنتائج، ومن ثم إذاً يخاطب المحرض فكر الجاني وعقله. والتحريض العام: هو الذي يكون موجهاً إلى مجموعة من الناس أو إلى طائفة بغير تحديد للشخوص بأعينهم، أي أنه يقتضي دوماً ركن العلانية. والمشهد في دول الثورات (الربيع العربى) معبأ بشتى ألوان التحريض، فيحرص الرموز وقادة التيارات السياسية على شحن اتباعهم بالأفكار التي ظاهرها يتناول المصلحة الوطنية وباطنها يهدف إلى إشعال الرغبة الجامحة للنيل من التيار الآخر.
وتعدد التيارات السياسية من الخيارات التي يفرح لها زعماء التحريض؛ تمنحهم المناخ الذي يسمح لهم التلاعب بمشاعر أتباعهم للسيطرة عليهم وتسييرهم لتحقيق أجنداتهم... وخطاب التحريض يمكن أن يكون من خلال الفضائيات أو الصحافة أو المساجد أو بث الإشاعات في المجتمع عبر تسويقها بين الناس أو تغريدها من خلال فضاء الإنترنت؛ أن الإشاعات وقود محرك لعملية التحريض يستعملها المحرضون للمحافظة على وتيرة التحريض تجعل الأتباع في حماس ملتهب لتحقيق فكرة المحرض. وقد نجح المحرضون في دول الثورات العربية في خلق مناخ مناسب للتناحر والنزاع السياسي تحت مسمى حرية الكلمة، فأصبحت كل التيارات المتصارعة تدعي منهج الديمقراطية، واتخذت من الشارع ميداناً للحوار أو الصراع؛ فنرى بين الحين والآخر إصابات جسيمة وسقوط قتلى... ويستمر المحرضون في ممارسة التحريض بين تصعيد يوحي بأن هناك حرباً أهلية على وشك الاندلاع، ثم تهدئة توحي بأن هناك مصالحة على وشك تحقيقها. وهكذا يستمر الشعب في حالة ترقب واستعداد بين دق طبول المعركة أو نفخ مزامير الهدنة... إن سلسلة تطور الأحداث، والشكل النهائي للخطاب المستخدم في دول الثورات العربية تعطي مؤشراً عن قرب مرحلة التصفيات النهائية لمعركة التحريض التي تعصف بشعوبها، وهي المرحلة التي خلالها تنكشف الأجندات وتنتهى صلاحية الإشاعات... وعندما توحي قراءة المشهد أن التحريض بدأ يحقق مرحلة من الحوار المختلط بوتيرة متناقصة من الانتهاكات، فذلك يعني أن مباراة البطولة توشك أن تكون بين تيار الإسلام السياسي وبين ائتلاف باقي التيارات تحت لواء ما يسمى بالتيار المدني ومن بينها أيضاً تيارات إسلامية، عندها سيدرك صناديد التحريض مناعة المبادئ التي يحملها كل تيار ضد الاختراق، يجعل كل فريق يؤمن أن التصالح سيقتضي تقديم تنازلات على طريق اللقاء مع التيار الآخر... تبدأ من استبدال خطاب التحريض بخطاب تصالحي ومن ثم إجراء بعض التحوير على بعض المبادئ التي يتمسك بها كل تيار أو حتى التنازل عن بعضها، في سبيل اللقاء مع الآخر في منتصف المسافة الفاصلة بينهما...
الخلاصة...
عند استبعاد الأقليات غير المسلمة من معادلة شعوب الثورات العربية، ينكشف المشهد عن قراءة لانقسام نصفي بين المسلمين؛ أحد النصفين يحمل تصوراً وتفسيراً إسلامياً مختلفاً وأحياناً متناقضاً مع التفسير الذي يحمله النصف الآخر، ويبقى القاسم المشترك بين النصفين، أركان الإسلام الخمسة...
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji