|
مكة المكرمة - أحمد المحمادي:
رفض باحثون شرعيون ما يُردَّد في السنوات الأخيرة من دعوات لتجريم زواج القاصرات، وقالوا «إنه رأي غير مقبول؛ لأن المحدد الرئيسي لأهلية الأنثى اكتمال نموها الجسمي ومدى استعدادها لتحمُّل أعباء الأم والزوجة ومسؤولياتهما».
وأضافوا: تطبيق ضوابط الشريعة الإسلامية في النكاح هو المخرج والحل الفعَّال لضمان حقوق القاصرات في اختيار الزوج وشريك الحياة.
إن أهمية هذا الموضوع تكمن في أنه أمر كثير الوقوع في المجتمع، ويشيع عنه الحديث في المجتمعات المسلمة من غير المختصين، وهذا ما أدى إلى نشر بعض المفاهيم والأحكام الخاطئة عن حقيقة الموضوع.
جاء ذلك خلال جلسات المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في الدورة الـ21، التي بدأت أعمالها في مقر رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وافتتحها سمو أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل السبت الماضي.
وأشار الباحثون إلى أن زواج القاصرات صار في السنوات الأخيرة محل جدل بين قضاة وطلبة علم وباحثين اجتماعيين، بينما يسعى حقوقيون لتجريم زواج القاصرات والدعوة لسَنّ قانون تحديد عمر معين للزواج «فيما ينافح بعض طلبة العلم والقضاة في الرد على من يسعى لتحديد سن معينة للزواج، والرد على من يسيء للشريعة الغراء، ويثير الشبهات حولها».
وعرض الباحثون تعريف الزواج، ومفهوم وأسباب زواج القاصرات، ونظرة الشرع في تزويج القاصرات أو تحديد سن معينة للزواج من خلال ذكر الأدلة النقلية من الكتاب والسنة، واستعرضوا الشبهات التي تُثار عن شبهة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيدة عائشة - رضي الله عنها - والرد عليها.
وبيَّن الباحثون أن تحديد القصور من عدمه مرجعه إلى الشرع، وأن الفقهاء اختلفوا في تحديد السن بوصفها أحد مناطات التكليف، ومعظم القوانين الدولية جرت على ما اتفق مع مذهب الحنفية، وهو بلوغ ثمانية عشر عاماً، وهذا عند الأحناف في الغلام، أما الجارية عندهم فإذا بلغت سبعة عشر.
وذهبوا إلى أن الزواج ليس في الشريعة تحديد له «لأن هذا مبني على المصلحة، وكل فتاة تختلف مصلحتها عن الأخرى، وإنما اكتفى الشارع بالولي لصحة عقد النكاح ثقة بأمانته ومعرفته بمصلحتها»، وقالوا: «إن عدداً من الصحابة تزوجوا ممن يصغرهن بفارق من السنوات».
وفنَّد الباحثون الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام على زواج رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - من السيدة عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - ودعوا إلى ملاحظة أن النبي لما تزوج السيدة عائشة لم ينجب منها، بل كانت البكر الوحيد التي تزوجها من بين زوجاته؛ وذلك لأن النساء بحاجة إلى من يعلمهن، خاصة إذا كان الأمر ذا مشقة أن يتناول بين رجل وامرأة، فكانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من قامت بهذا الدور، فهي فتاة صغيرة في السن، أي يسهل عليها الحفظ والفهم والتلقي، وأيضاً لا يتحرج منها النساء، ولا يستحي منها الفتيات الصغيرات؛ لأنها في مثل سنهن؛ لذا فهي من أكثر النساء رواية للحديث عنه. وأضافوا بأنها حتى بعد وفاته ظلت تعلِّم النساء أمور دينهن، وكانت وقتها ابنة الثامنة عشرة من عمرها، فصارت مرجعاً مهماً للمسلمين بعد وفاته في الأمور الفقهية، وكذلك في سيرته.
ورأى بعض الباحثين أن سَنّ قانون يحدِّد عمراً معيناً للزواج ليس حلاً، إنما ينبغي على الفقهاء والعلماء توعية أولياء الأمور بالنظر إلى حال الفتاة المخطوبة، ومدى قدرتها على القيام بأعباء الزواج.
وشارك في جلسة (تزويج القاصرات) كل من أصحاب الفضيلة الدكتور عبد الله بن محمد المطلق، والدكتور أحمد بن موسى السهلي، والدكتور خالد بن عبد الله المصلح، والدكتور إبراهيم بن مبارك آل جوير، والدكتور عادل بن عبد الله العبد الجبار، والدكتور حسن بن صالح جمال، والدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، الذي استعرض بحث الدكتور محمود مجيد الكبيسي نيابة عنه. وقد قام الدكتور عادل بن عبد القادر قوتة بمهمة مقرِّر الجلسة.
وفي الجلسة التي تمحور موضوعها حول (مدى حق الولي فيما يتعلق بمرض موليه) عُرضت خمسة بحوث، تمت مناقشتها من قِبل أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع، وقام بعرضها كل من أصحاب الفضيلة معالي الدكتور نور الدين الخادمي، والدكتور عبد الناصر أبو البصل، والدكتور حمزة بن حسين الفعر، والدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، والدكتور حسن محمد مقبول الأهدل، والدكتور عبد الله بن مصلح الثمالي مقرراً للجلسة.
وبيَّن الباحثون أن موضوع هذه الجلسة من المسائل التي تحتاج إلى بيان وتفصيل في هذا التدبير الشرعي (الولاية على القصر من الصغار والمعوقين عقلياً كالسفهاء والمجانين ومن بهم عته ومن ألمّ بهم مرض يمنعهم من مباشرة مصالحهم)، وما يتعلق بسلطة الولي وحقه في إجراء أو مباشرة إجراء مرتبط بمرض المولى عليه من هؤلاء القصر. واقترح بعض الباحثين أن يقسَّم البحث في الموضوع إلى أربعة مطالب: أولها التعريف بمصطلحات البحث ومفهوم الولاية والتعريف بالحضانة والتعريف بالمرض، وثانيها القواعد والمبادئ الأساسية الحاكمة لعلاقة الولي بالمولى عليه، والثالث حقوق الولي المتعلقة بمرض المولى عليه، والرابع حالات نص الفقهاء فيها على تصرف للولي متعلق بصحة المولى عليه.
واستعرض الباحثون ما ذكره الفقهاء في كتبهم حول مجموعة من التصرفات التي يقوم بها الولي تجاه المولى عليه صغيراً كان أو غيره متعلقة بمرض ذلك الصغير، أو صحته عموماً، ويترتب عليها ضرر أو فوات نفس أو عضو. وعلى الرغم من أن الفقهاء قد أشاروا إلى هذه التصرفات عند الحديث عن الميراث أو القصاص والضمان إلا أن حكم الإجراء قد يستفاد من هذه النصوص ضمناً واستنباطاً.
وخلص الباحثون إلى بعض النتائج التي سوف يتدارسها أعضاء المجمع، ومنها أنه لا بد لولي المريض أن يكون بالغاً عاقلاً كامل الأهلية حريصاً على مصلحة المريض، وأن للولي الحق في التدخل فيما يتعلق بجراحة موليه أو علاجه، بشرط أن يكون المريض ناقصاً أو عديم الأهلية، وأن يكون في تدخله مصلحة للمريض، وأن يكون المأذون له صاحب خبرة واهتمام، وأن يكون التمريض المأذون فيه مشروعاً.
أما جلسة (أكثر مدة الحمل)، التي عُرضت فيها خمسة بحوث لكل من الدكتور محمد علي البار، والدكتور عبد الله حسين سلامة، والدكتور أبو بكر دوكري، والدكتور إبراهيم بن ناصر البشر، والدكتو سعد بن تركي الخثلان، فاعتبر الباحثون موضوعها من المسائل المهمة التي يترتب عليها كثير من الأحكام، وبينوا أن المراد بمدة الحمل المدة التي يمكثها الجنين في الرحم منذ لحظة التلقيح حتى شعور المرأة بآلام الوضع.
وأشاروا إلى أن الفقهاء اختلفوا في تحديد هذه المدة اختلافاً متبايناً، فمنهم من قصرها على تسعة أشهر وهم الظاهرية، ومنهم من نظر إلى عدم وجود دليل بالتحديد فلم يجعل لأعلاها مدة وهو رواية عن مالك، وقدر الحنفية أعلاها بسنتين، والجمهور من الشافعية والحنابلة ورواية عن مالك جعلوها أربع سنين، والمشهور عند المالكية جعلها خمس سنين.
وبيَّن الباحثون أن الفقه الإسلامي والطب اتفقا على أن أقل مدة للحمل التي يعيش بها المولود هي ستة أشهر منذ التلقيح، ولكنهم اختلفوا في أكثر مدة للحمل. وقد أوضح الطب أن أقصى مدة للحمل هي 44 أسبوعاً منذ بداية آخر حيضة حاضتها المرأة، كما أوضح الطب أن الجنين يتأثر بعد الأسبوع الثاني والأربعين بسبب نقصان التروية الدموية للدماغ خاصة.
وأشاروا إلى أن معظم البلاد العربية والإسلامية أخذت بقول محمد بن عبد الحكم المالكي، الذي أيده ابن رشد، بأن أكثر مدة للحمل هي سنة قمرية، وقد زادتها الدول العربية والإسلامية إلى سنة شمسية للاحتياط، وهو أمر تأخذ به بعض البلاد الغربية. فيما أشاروا أيضاً إلى أن بعض الدول العربية والإسلامية لا تزال تأخذ بأقصى مدد الحمل القديمة (سنتين إلى أربع سنوات).
وكان في رئاسة الجلسات سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، ورئيس مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، وبحضور معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام للرابطة، وفضيلة الدكتور صالح بن زابن المرزوقي، الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي وعضو مجلس الشورى في المملكة، وأصحاب الفضيلة أعضاء المجمع.
يُذكر أن مداولات الباحثين وأعضاء المجمع أُحيلت إلى اللجان المختصة لإعداد مسودة بالحكم الشرعي للمواضيع كافة التي نوقشت في الجلسات لعرضها على المجلس الذي سيتخذ قراراً فيها.